احتفاءً بيوم مولده 13 أغسطس دكتور هاشم خليفة يعدكم بمفاجئات سارة
أحمد الله كثيراً مجدداً غلي مسيرة قادتني لمالات موفقة بناءً على تقويم من يعتد برأيهم. عبر مراحل متعاقبة دراسية وفكرية وعملية. باحث مفكر مجد أستاذ جامعيَ اجتهد ليضع بصمته البائنة أينما حل. في مسيرة متطاولة تجاوزت الست عقود من الزمان. حملتني في تطواف عبر عدة عواصم ومدن تجولت فيها في ثلاث قارات. مسيرة دراسية تدريسية بحثية كانت بالنسبة لي مشوقة في كل مراحلها بالرغم من تنوع تحدياتها. تغيرت طبيعتها بشكل مدهش في كل واحدة منها. إنجازات أعتد بكافة تداعياتها المتباينة التي كثيراَ ما كنت أتأمل في خلفياتها وبواعثها. بعضها بلا شك متجذر في جينات مورثات دفينة. أمر كان دائما يستدرجني يدفعني للبحث في جزورها العميقة. متحسساَ درب أسلافي لأعود غانما بشكل مقنع إلى حد كبير. أضع أمر الجينات جانبا لأحملق في بداية مسيرة سنوات طفولتي الأولي التي قادتني فيها الأقدار إلى ربوع السودان. في صحبة والدي كواحد من أميز من عملوا في المجال الشرطي. تفتحت عيناي في أول مراحل طفولتي الأولي في مدينة كسلا موقع مولدي. تتابعت زيارتي لها لاحقاً في عدة مراحل من حياتي نسبة لارتباط والدي الوجداني بها. حالة وجدانية تركت بصماتها بين جوانحي. لأنتقل بعد ذلك مع أسرتي بعيداَ عتها بعد ذلك إلي لربوع جنوبنا الذي أنفصل عنا. لمدينة ملكال في البدء مرتحلين منها لاحقاً لمدينة أنزارا في أقصي جنوب بلادنا. مرحلة باكرة في طفولتي تركت بصماتها في وجداني. ساهمت على نحو ما في منعطفات لاحقة من مسيرتي سأشير لها فيما بعد.
شكلت مراحلي الدراسية اللاحقة المتوسطة والثانوية منعطف مهم للغاية في مسيرتي. ساهمت بشكل ملموس في جوانب من مقومات شخصيتي. حملتني من كسلا الوريفة مسقط رأسي لربوع جنوب السودان. منها إلى ضفاف الأنهر في وسط بلادنا. من حي قرب نهر النيل في أمدرمان إلى موقع مشابه على ضفة النيل الأزرق مواجه لمدينة واد مدني عاصمة الإقليم الأوسط. أربعة أعوام منها في المرحلة المتوسطة زاخرة بالعلم والعلاقات الإنسانية. قضيتها متنقلا بين بيتي ومدرسة بيت المال الوسطي في حي الملازمين. منطقة وادعة مضجعه على ضفاف النهر في الجزء الشرقي من مدينة أمدرمان. في مدرسة منحتني مع ذخيرة وافرة من العلم والمعرفة أعظم هدية. فتحت لي أبواب مشرعة لعالم الفن المدهش بفوزي بجائزة عالمية لطلاب المدارس في مجال الرسم والتلوين. كلفت الجهة المنظمة لمسابقتها المدرسة بتنظيمها بين تلاميذها. أتاحت لي فرصة المشاركة فيها والفوز بأحد جوائزها. خطوة مهمة مؤثرة جعلتني أضع أمشاط أصابع أقدامي على عالم الفن الرحيب. كان لها ما بعدها عند انتقالي بنجاح للمرحلة الثانوية في مدرسة حنتوب واحدة من أهم ثلاثة مدراس حقبتئذِ. كانت مكتملة الأركان بشكل يضاهي جامعات زماننا هذا التي استقبلتني بترحاب خاص. عندما أعلن ناظرها في اجتماعها الأسبوعي للطلاب نباء فوزي بتلك الجائزة.
كان تنويه الناظر في ذلك الاجتماع بداية مشجعة. انطلقت بعده مستثمرا في عظيم اهتمام المدرسة بمناهج مادة الفنون. أسست له بعدد من الكتب المتميزة في مكتبتها توثق لجزورها التاريخية وأخر تطوراتها الحديثة. مُقدمة في إطار فكري بازخ يتنقل بسلاسة من عالم الفنون لضفاف عوالم الفكر والفلسفة. خلبت لبي فانغمست فيها عشت معها نقلة مؤثرة أنا حينها لم أكمل العقد الثاني من عمري. حالة نجحت المدرسة بمناهجها في إنزالها إلى أرض الواقع. ساهمت فيها بشكل مؤثر مراسمها المتعددة المعنية بشتى ضروب الفنون الجميلة والتطبيقية. زخم عشت تجربته الثرة بكل أبعادها كنت فيها في قلب أحداثها باعتباري فنان المدرسة الأول. تجربة لم تكن بمعزل عن أجواء مدرسة كانت تنافس بضراوة لكي تكون أكاديمياً في مقدمة الركب. طموح سعت بهمة لكي تدعمه بتميزها اللافت في كافة مجالات الأبداع الأخرى خارج ذلك الإطار. زخم كان لحسن حظي مجال الفنون التشكيلية فيه متصدراً للمشهد. أجواء مضخمة بكافة ضروب الإبداع. وجدت نفسي في خضمها مع نفر من أصحابي من أميز مبدعي مدرستنا. حطت بنا في شواطئي نأت بنا عن عوالم الماديات علماني الجذور محدود الأفق. توجه جرئي دفعت أنا غير نادم بعض من مستحقاته لاحقاً أنا اطرق أبواب الدراسة الجامعية. مرحلة انتقالية مفصلية عشتها مع مجوعة (شلتي) من أميز مبدعي حنتوب. عشناها معاً نحن نتأهب لمغادرتها في أجواء لا تخلو من بوهيمية ذلك الزمان والمكان. حملتها في جوانحي لأعود لموطني الأمدرماني ذاك بيتنا بحي الملازمين الأمدرماني. عدت هناك لأطرق أبواب الدراسة الجامعية مفعم بالآمال العراض.
عدت للعاصمة وأمدرمان متأبطاً الشهادة السودانية من الدرجة الثانية. وجدت بعض صعوبة في البدء لتسويقها في رحاب كليات جامعة الخرطوم. لأن موادها كانت غير متناسقة، حاجة كدة أشبه بلحمة الراس. نتيجة طبيعية لحالة بوهيمية عشتها خلال الفترة الأخيرة في حنتوب. كانت واحدة أيضاً من تداعياتها لأسباب مقنعة بالنسبة لي صرف النظر أسقاط مادة الرياضيات الإضافية من حساباتي. التي كانت ستقودني لدراسة تخصص له صلة قوية بعشقي ومهاراتي العالية في مجال الفنون هو العمارة. تدخلت الأقدار لتنقذني من هذا المأزق بحل توفيقي استثنائي. منحني فرصة لدراستها في قسم جديد في معهد الخرطوم الفني. يمنح الخريج درجة الدبلوم في العمارة بعد أربعة سنوات دراسية. في حالة فريدة من نوعها في كل تفاصيلها لم تتكرر مرة أخري. كنا فيها عشرة طلاب تمتعنا فيه بخدمات أكاديمية أكثر من مثالية. كان يتولى أمرنا أكثر من خمسة أساتذة ومساعدي تدريس. توفرت لنا في إطار تجهيزات المعهد الفني ورش مكتملة الإعداد مخصصة للجانب العملي من المواد الدراسية الأساسية. تجهيزات متكاملة كانت لا زالت غير متوافرة لأقسام كلية الهندسة بجامعة الخرطوم. ساهمت بشكل فعال مؤثر للغاية في استيعابي للجوانب التقنية للعمارة أهم أضلاعها الأساسية. تدخلت عدة عوامل لتقلل من أثار التركيز على هذا الجانب. لتقوي من فرص الجانب الأخر الفني الإبداعي. ارتبط بعضها بأجواء المعهد الفني المفعمة بالحيوية والنشاط الفني والفكري سياسي الطابع. بعضها الأخر تجاوز حدوده لفضاءات أكبر علي مستوي الوطن والعالم كله. في ظاهرة بالغة التميز وضعت بصمتها البائنة في خواتيم النصف الأول من ستينات القرن.
اتسمت تلك الحقبة محدودة الأمد بحراك ثقافي فكري سياسي المظهر عقائدي الجذور اجتاح بلادنا منطلقا من عاصمتها. انداح بشكل قوي مؤثر من منابر منصات جامعة الخرطوم والمعهد الفني اللتان كانتا وحدهما كالسيف. حراك سوداني لم ينشأ من فراغ مهدت له وضعت لبناته تحولات عالمية الطابع. تسيد الموقف فيها الغربي منه الذي وجد منافسة محتدمة من الأوربي الشرقي ماركسي المبادئ. تنافس شرس أسس لحركة ثقافية فكرية عارمة عقائدية الطابع كان لطلاب المعهد الفني سهم وافر فيها. أنتجت في خواتيم النصف الأول من الستينات ثورة أكتوبر المجيدة. موثقة لواحدة من أهم أنبل مراحل تاريخنا السياسي الحديث. زخم فكري ثقافي بازخ عشته بكل أبعاده أنا أخطو أول خطواتي لدراسة العمارة بذلك المعهد. أججت أواره لي ولنا طلاب قسم العمارة أجواء كلية الفنون القريبة على مرمي حجر من مقر دراستنا. التي كانت حقبتئذٍ تمر بازهى مراحلها فصارت بالنسبة لي أشبه ب (المغناطيس). تشربت بروحها وأجواءها الفكرية صارت واحد من أهم مرجعيات مفاهيمي المعمارية. أعانتني بشكل مؤثر على فهم العلاقة العضوية بين الفنون والعمارة. المؤسسة على قواسم أساسية مشتركة وجذور فلسفية راسخة. خطوة موفقة مبكرة جاءت مكملة لما استوعبناه عن جوانب العمارة التقنية التي وفرتها لنا دراستنا في المعهد. بالإضافة إلى لذلك استفدت من زخم تلك المرحلة الفلسفي الفكري بشكل ملموس لاحقاً. الذي أعانني كمدخل مهم للدراسات العليا التي قدمت فيها عملا متميزاً واصلت فيه بنفس النهج فيما بعد لأفاق أرحب.
تداعت بعدها السنوات إلي النصف الثاني من الستينات بنفس وتيرة ذلك الزخم الثقافي الفكري. غلي نسق تصاعدي خلال فترة شهدت صراعا حزبياً محتدما. اجتهدت في النأي بنفسي عنه لأحلق في رحاب عوالم فكرية أسمي وأنبل. عشت في أجوائها في مرحلة مفصلية من عمري بعد أن أكملت دراستي للعمارة بالمعهد. لأضع أمشاط أقدامي في درب الممارسة مؤملاً النفس في أن أحقق فيها نجاحات ترضي غروري وتطلعاتي. مرحلة دخلتها مفعم بآمال عراض متسلحاً بوعي معزز برؤى فلسفية بازخة. زاد من زخمها حراك فكري متصاعد في منعطف الستينات والسبعينات. هياني لارتقاء بأعمالي المعمارية لأفاق أرحب. طموح حملني حلق بي في مطلع السبعينات لأجد نفسي في خضم مجال التوثيق والنقد المعماري. كانت بداياته الموفقة في رحاب واحدة من أهم المجلات الثقافية حقبتئذٍ، مجلة الخرطوم. تسللت إليها عبر عدة مقالات وثقت لجوانب عبقرية في عمارة قري أهلنا النوبيين في أقصي شمال بلادنا. التي كانت تضجع بدعة على ضفاف النهر قبل أن تمحوها من الوجود مياه بحيرة ناصر الاصطناعية. عمارة تراثية تقليدية سكنت بين جوانحي صارت جزء أساسي من وجداني. حملتها بنجاح لمراحل متقدمة من مسيرتي العلمية زادت من احترامي وتقديري لها. عشق لم يخصم منه طموحي للاستزادة من بحور العلم والمعرفة. عشق متأصل وأهداف نبيلة نجحت في التوفيق بينها بطريقة تكاملية. كانت مدخلاً مهماً أساسياً لعملي في رسالة الدكتوراه.
تضافرت عدة عوامل جعلت النصف الثاني من السبعينات واحد من أخصب سني عمري. قضيته متنفلاً بهمة عالية في رحاب مدراج العلم في قسم العمارة بجامعة الخرطوم. الذي التحقت به لنيل درجة البكالوريوس في العمارة. فترة ثرية نهلت من بحر علومها قربتني لأهم رموزها من الأساتذة العظام ففتحت لي أفاق سامية. عبرت منها للضفة الثانية من عوالم حقبة النصف الثاني من السبعينات. حللت فيها في مكتب أستاذ الأجيال عبد المنعم مصطفي عراب عمارة الحداثة السودانية الوطني. أسست بداية عملي معه كمتعاون لعلاقة خاصة للغاية عميقة الأثر تمددت لأكثر من أربعة عقود من الزمان. تجاوزت فيها مرحلة التعلم منه للغوص في أعماقه بحكم قربي منه وعلاقتي الحميمة به. التي جعلته واحد من أهم مصادري لاحقاً في إطار مشروعي للتوثيق للعمارة السودانية. الذي اعتبره واحداً من أهم مرتكزات انطلاقتها الأولي في حقبة الحداثة. أنا أتنقل بخفة ورشاقة بين ضفتي قسم العمارة ومكتب أستاذنا عبد المنعم لم أكتف فقط بما غنمته منهما. إذ تجاوزها طموحي الذي حلق حقبتئذٍ في السماوات العلا. محمولاً على أجنحة ُنجاحاتي المضطردة في مراحل دراساتي في قسم العمارة. التي قادتني مرة أحري للارتقاء لفضاءات العمارة الفكرية الفلسفية. عدت عبرها مرة أخري لمجال في الصحافة شبيه بتجربة مجلة الخرطوم. عبر صفحة في صحيفة كانت الأشهر الأكثر توزيعاً حقبتئذِ. هيأتني مع عوامل أخري مساعدة للاستعداد على أحسن ما يكون لمرحلة فكرية مهمة من مسيرتي الظافرة. كنت أتأهب فيها في بداية الثمانينات لارتحال لمدينة إدنبرا في أسكوتلندا. لأبداء مرحلة الدراسات العليا في جامعتها العريقة التي كانت حقبتئذٍ من أميز جامعات بريطانيا.
حللت بجامعة إدنبرا لأخوض تجربة متطاولة منحها المكان والزمان معاً أهمية خاصة وزخماً فكرياً بازخاً. في فترة مفصلية حرجة عاشها العالم الغربي من قبل في عشرية السبعينات. مر فيها المجال الإبداعي هناك على راسه العمارة بمرحلة مخاض كان لها ما بعدها. بداء يتعافى منها لكنه عانى من تداعياتها الناتجة من حالة فطام عميقة الأثر تمددت لبضع عقود من الزمان. أفرزتها تحديات الانعتاق من فكر ونهج الحداثة العقيم. تسببت في ارتدادات فذلذلة استهدفت المجالات الإبداعية كانت العمارة علي راس قائمتها. أنتجت زخماً فلسفياً فكرياً واسع المدي وجدت نفسي جزءً من تداعياته في بداية مسيرتي الدراسية هناك. واحد من أفراد كتيبة متميزة من طلاب الدراسات العليا. تصدرت المشهد بقيادة ربانها مشرفنا البروفيسور المفكر العبقري باري ويلسون. تصدت له انطلاقاً من دورها المرتجى النابع من وضعها المتميز في إطار كلية الدراسات المجتمعية. فوجدت نفسي في قلب معركة فكرية محتدمة تهدف لتحقيق أهداف نبيلة. على راسها تحرير العمارة من إسار قبضة فكر علماني جردها من أنبل مقاصدها. فوجدت نفسي في بداية مسيرتي هناك مواجهه بتحديات فكرية لم أكن مهيئي لها بأهم أسلحتها المضاءة. نتيجة لقصور في خلفية دراساتي السابقة للعمارة التي كانت أسيرة فكر الحداثة علماني الجذور والمقاصد. جعلتني إلى حد بعيد متخلف عن ركب زملائي. وضع محرج سعيت لمعالجته بعمل دؤوب اجتهدت فيه للحاق بهم. بدأته بتطواف في فضاءات الدراسات الإنسانية، المجتمعية والنفسية والأنثروبولوجيا. انتقلت منها لرحاب عالم الفلسفة الرحيب الذي مكنني من لملمة أطرافها في إطار واحد من توجهاتها مفعم بالدفق الإنساني. هو خلاصة فكر الفيلسوف الألماني الأشهر مارتن هايدغر. الذي أسس لواحد من أهم التوجهات الفلسفية المعاصرة عرف باسم الظاهرية. ترجمة لمسماها باللغة الإنجليزية Phenomenology.
خلفيتي المتواضعة في مجال الفلسفة صعبت على مهمة الولوج لعالم هايدغر الذي يلفه الغموض. تيسر لي الأمر نوعاً ما عند اطلاعي على أعمال له لامست العمارة من طرف خفي ينضح رمزية. تحديات عصية أعانني على تجاوزها معماري عبقري يعتبر واحد من أهم حوارييه. هو الفيلسوف المفكر المرموق كرستيان نوربيرج-شولز. الذي وفق في إنزال عدد من رؤي مفاهيم هايدغر من علياها الفلسفية إلى أرض واقعنا المعماري. عبر تطواف في رحاب كلاسيكيات العمارة الضاربة في القدم في شتي أرجاء العالم. متوقفاً مرات عند نماذج حديثة نوعا ما مدهشة من عمارة قبائله المحلية. خصص جانب منه هنا وهناك للعمارة الحديثة منتقيا منها تلك التي تنضح بالدفق الإنساني. تطواف واسع المدي كان له ما بعده إذ نجح في استثماره بشكل أريب خلاق. كانت من أهم ثمراته مصطلح جديد استهدف شأناً معمارياً أساسياً. معني بظاهرة الفضاء بمعناها الكبير العميق التي تعامل معه بنهج مختلف جديد. منحه حقه كاملاً إذ أسماه فضاء الوجود ترجمه لمسماه باللغة الإنجليزية Existential Space. الذي سعي لتوصيفه بنهج فلسفي مترع بالدفق الإنساني. اختراقات فلسفية باهرة توج بها نوربيرغ- شولز فيض تهويمات فكرية أشرت لها من قبل. تأثرت بها للغاية شكلت بالنسبة لي قاعدة راسخة. إضاءات أعانتني أجلت لي جوانب مهمة للغاية من فلسفة هايدغر استعصى على فهمها من قبل. فعدت لقراءتها مرة أخري بعمق تأملتها باستمتاع فائق. غصت في معانيها السامية النبيلة جذبتني فصرت واحد من دراويش الطريقة الهايدغرية. لدرجة جعلتني أعمل بهمة عالية لتجنيد أكبر عدد من أتباعها في بلادي. كل أملي أن أشيد لهم تكية فلسفية فكرية متخيلة تجمع بينهم تلم شملهم. تعينهم في العبور بعمارتنا إلى بر الأمان الفكري.
لم أصل لجامعة إدنبرا في بداية عملي للتحضير لدرجة الدكتوراه خالي الوفاض. جئتها مشبع برؤية مبدئية متطلعا لإنجاز عمل متميز. يساهم في الارتقاء بالسودان لموقع متقدم يليق بمقامه الرفيع. رغبة أججها تعرفي على جوانب مشرقة من تاريخه وتراثه. لامس بعضاَ منها وتراً حساساً من أحاسيسي المعمارية كان مصدره عمارة بيوت قري أهلنا النوبيين. التي كانت منظومة ألقها العفوي تسترسل بوداعة على ضفاف النهر في شمال بلادنا. لفت انتباهي لها المعماري المصري الرسالي حسن فتحي فتفاعلت معها بعاطفة جياشة. عبرت عنها في مقالات غزلية نشرتها في أهم مجلاتنا الثقافية في منتصف السبعينات. حملت تلك المشاعر بين جوانحي فكانت خير معين حافز لي في بداية فترتي الدراسية هناك. حَركتها في البداية توجهات فلسفة هايدغر بدفقها الإنساني المترف. التي دعمتها تطبيقات نوربيرج- شولز المعمارية. تداعيات أعانتني في المضي قدماً بثقة في أول خطواتي البحثية في التحضير لدرجة الدكتوراه. عدت بعدها لبلادي في منتصف الثمانينات منتشيً بما غنمته في إدنبرا. لأبداء عملي الاستقصائي عن الحالة النوبية بالغة التعقيد التي زاد من تعقيدها جانبيها المتباينين. الأول معني بالتوثيق لتاريخها وجذورها الضاربة في القدم. تحديداً تراثها ثري المكونات والتفاصيل الذي شكلت العمارة ركناً أساسياً فيه. الجانب الثاني علي طرف نقيض منه لكنه أيضاً كان لعدة اعتبارات بالغ التفرد. الذي كان يوثق لحالة تناي بنفسها تماماً عن تراثنا السوداني. نائي كان له مردود مؤثر للغاية لارتباطه بأمر مصيري للغاية لهذه المجموعة النوبية. بيئتهم السكنية الجديدة بكافة مستوياتها وأبعادها كما سينجلي لنا لاحقاً.
انتقلت من إدنبرا بعد بضع سنوات للسودان لأبداء فيها عملي في حالة النوبيين الدراسية. التي أعانتني في سنواتها الأولي هناك سهلت لي التواصل مع مصادر مهمة للغاية. نجحت عند ذهابي للسودان في تكملة جوانبها الأخرى من مظانها الأساسية فتوفرت بذلك خلفية ثرية عن حالتي الدراسية. تأملتها بعمق على هدي مفاهيم نوربيرج-شولز الثرية المؤسسة على نفائس فلسفة هايدغر عميقة الجذور. تأملتها في إطار تراث وعمارة هؤلاء النوبيين في موطنهم التاريخي قبل أن تغمره مياه بحيرة السد العالي. مرة أخري بنفس الطريقة هم يعيشون تجربة تهجيرهم بكل أبعادها ومراراتها المكبوتة. مستثمراً فيها بعمق في إطار مفاهيم الأول مقروءة على خلفية جوانب من فلسفة الثاني. التي جعلت حالة موطنهم التاريخي بكافة جوانبها تكشف الكثير من خبياها. منحتني فرصة ذهبية لتقويم تجربة حالتهم الثانية في مهجرهم القسري المختلفة تماماً عما كانوا عليه من قبل. موطن جديد لم يٌستأنس فيه بإرثهم ورؤاهم ورأيهم بأي وسيلة من الوسائل في تنفيذ مراحله المتعددة. التي تولت أمرها من هذا المنطلق جهات رسمية في كل مراحل المشروع. بداءً باختيار موقعه كواحد من عدة خيارات. مروراً بتوزيع القري فيه وتخطيطها انتهاءً بتصميم البيوت وتشييدها. قرارات فوقية لم تعط أي اعتبار لخصوصية هذه المجموعة القبلية وإرثها التليد. تجربة منحتني فرصة فريدة من نوعها لم تتكرر من قبل وبعد ذلك. تشير بوضوح لالتزام الجهات الرسمية على كافة مستوياتها بفلسفة ونهج الحداثة علماني الجذور. المعني فقط باحتياجات الناس والإنسان المادية والفيسيولوجية دون غيرها. متجاهلا جوانب أخري بالغة الأهمية ذات صلة بتراثهم وقيمهم وأعرافهم. حتى لو كانت راسخة عميقة الجذور كحالة هؤلاء النوبيين. موقف متعنت تجلي بوضوح في التعامل معهم.
انساب عملي في حالتي الدراسية بسلاسة بالذات جانبه العملي الميداني الذي كان يبشر بنصر مؤزر وفتح جديد مهم. إحساس عظيم لم يأت من فراغ إذ كان نابع من قناعات مشرفي وإطراءه المستمر على كل مراحل عملي. أجواء مفرحة مبشرة بخير وفير كان نجاحها يخبئ مفاجئات ولدت من رحمه. فجرها عملي الميداني أنا أجوب موطن مهجر هؤلاء النوبيينـ. تجوالي فيه الذي منحني فرصة تأمل حالة مجوعتين من الرحل ينتمون لأهم القبائل السودانية. جمعتهم معاً متجاورين في منطقة واحدة في ذلك الإقليم. جمعتهم فيها قواسم مشتركة عديدة. بالرغم من تباعد ملموس في جذورهم وخلفياتهم وكافة سمات مجتمعاتهم. تباين واضح جلي كشفت عنه عدد من مكونات عمارتهم المتنقلة في كافة مستوياتها. ظاهرة استرعت انتباهي بالرغم من أنني لم أركز عليها من قبل إذ لم تكن واحد من أهداف عملي الميداني. لفتت نظري لأنها لامست جوانب أساسية في بحثي الذي أتي بي لهذه الديار. تطورات مهمة سارعت بإخطار مشرفي بها. الذي تفاعل معها بشكل إيجابي مؤكدا أن إضافة معطياتها لبحثي ستمنحه أبعاداً مهمة مؤثرة. وجه نظر لم تكن خصماً على عملي في الحالة النوبية. التي أعتبرها خير أنموذج معبر عن مفاهيم وسياسات الجهات الرسمية المعنية بالإسكان التي لا زالت تسيطر على الساحة. مستجدات أدت لتداعيات مهمة أثرت على مسار برنامج عملي في رسالة الدكتوراه. استدعت مزيداً من العمل مدعماً بعدد من دورات العمل الميداني لتغطية حالة قبيلتين سودانيتين إضافتين. بداءَ بخلفيتهم وتراثهم انتهاءً بعمارتهم التقليدية المرتحلة. كان يجب أن تغطي أبضاَ تجربة استيعابهم في إحياء سكنية خططت في مناطق حضرية في عاصمة ولايتهم. إضافات أساسية جوهرية منحت مع الحالة النوبية زخماً وثراءً مقدرا لعملي في رسالة الدكتوراه. تشهد عليه ألف صفحة في مجلدين أجيزت بجدارة بدون تعديل شولة فيها.
عدت لإدنبرا في النصف الثاني من الثمانيات بغنائم معرفية علمية لا تقدر بثمن. جنيت جزء مقدر منها من رحلات ماكوكيه في ربوع بلادي كرستها لحالاتي الدراسية الثلاثة، النوبية وعوالم قبيلتي الرحل. تطواف كشف لي جوانب بالغة التميز من بانوراما عمارتنا. إنجاز أعانتني عليه بشكل أساسي مقدر مفاهيم نوربيرغ-شولز المرتكزة على فلسفة هايدغر. خضته خرجت منه ظاهراتيً كامل الدسم، إشارة لتوجه الظاهراتية الذي تأسس على مبادئ تلك الفلسفة. بشكل جعلني أدعي بثقة أنني شيخ الطريقة في رحابنا المعمارية. مرحلة ثرة إنجاز مقدر تشهد عليه رسالة الدكتوراه التي نلتها عن جدارة من واحدة من أعظم جامعات بريطانيا حقبتئذٍ. كان من أهم ثمراتها وضع أقدامي متأهباً لاحتلال موقع الصدارة في مجال التوثيق المعماري. الذي نزرت له نفسي لاحقاً مركزا على حالتنا السودانية. موقع مكانة لم أنتظر كثيراً لتأكيد جدارتي بتسنم مجالها. إذ تم اختياري في مطلع التسعينات لتوثيق حالة السودان في أول دائرة معارف عن عمارة العالم المحلية. تمت بأشراف بروفيسور بول أوليفر أكبر حجة في هذا المجال. صدرت من دار نشر جامعة كمبريدج البريطانية هي من أميز جامعاتهم. لم تشغلني تلك النجاحات الباهرة بعد عودتي للسودان عن دوري المهم المرتجى كأستاذ في قسم العمارة في جامعتي الأم. التي بدأت فيها أول خطوات جهادي الأكبر الذي وجدت الطريق إليه ممهداً. باعتباري واحد من أول الأساتذة الذين تخصصوا في مجال نظرية العمارة. حيث بدأت هناك مشروعاً طموحاً لا زلت أعتز به بعد مرور حوالي الأربعة عقود من الزمان من تدشينه.
تركزت مهمتي في البداية في قسم العمارة على تطوير مقررات مادة تاريخ ونظرية العمارة وتجاوز جوانب القصور فيها. إذ أن من أهم ما لاحظته فيها منذ أن كنت طالبا تواري شبه كامل للحالة السودانية. التي كان ظهورها فيها إن وجد علي استحياء بشكل مبتسر. عليه كان أول ما سعيت إليه هو وضع العمارة السودانية في مكانها الطبيعي في قلب الحدث. هدفت حققته بهمة شديدة وجدية فائقة بتسليط الضوء على روعة مكوناتها المتعددة. الضاربة في القدم والقديمة والمحلية منها والحديثة. جهد خارق عمل كبير ممرحل لا زلت أعتز به. تَجربته بنجاح في قسم كليتنا شجعني على تكرارها في أقسام عمارة في جامعات أخري أسست معها علاقات متميزة. تجربة ثرة أعتز بها استثمرت فيها في تخصصي المعني بشكل خاص بظاهرة الفضاء space على كافة مستوياته. الذي يتم التعامل معه برؤية ظاهراتية تنضح بالدفق الإنساني. توجه مرن فضفاض سمح لي بالتمدد بحرية في إطار تخصصات أخري مثل التصميم الداخلي والحضري والتخطيط العمراني. تطواف فضفاض سمح لي بنشر أفكاري ظاهرية النزعة والتوجه خارج إطار العمارة. في صولات وجولات طوفت فيها في كليات وأقسام تلك التخصصات. تمدد أفقي ورأسي أيضاً إذ قدمت فيه خدماتي على مستوي الدراسات العليا في عدة تخصصات. على سبيل المثال التصميم والتخطيط الحضري والبستنة الحضرية. غزوات اختراقات علمية في كل الاتجاهات خضتها بفكري الظاهراتي المرتكز على واقعنا السوداني المعاش. متصدياً لتيار الحداثة الطاغي علماني الجذور الذي ينظر بازدراء لكل ما هو سوداني المرجعية. توجه راسخ مهيمن على الساحة يفرض سيطرته في مجال عدة تخصصات ذات صلة مباشرة مؤثرة على العمارة.
حفزتني نجاحاتي في قسم كليتنا بعد عودني للسودان لنقل جوانب من تجربتي فيها خارج إطار المؤسسات الجامعية. توجه نابع من دوافعي الظاهراتية المؤسسة على فهم للعمارة مفعم بالدفق الإنساني. ينأى بها عن فكر الحداثة صفوي الطابع طالبا القرب من عامة الناس. عبر توجهات تلامس أشواقهم الحقيقية تستهدف تطلعاتهم باعتبارها هي الأساس. مستثمراً في مفاهيم نوربيرغ-شولز المرتكزة على فلسفة هايدغر. تشربت بها فحلقت بي منذ خواتيم الثمانيات في فضاءات حملتني ألي عامة الناس. مستعينا بشتى أنواع وسائط الاتصال الجماهيري متخيراً في بداياتي أكثرها شعبية. كخطوة احترازية تناي بي عن صفوية نهج الحداثة اتساقاً مع خلفيتي الظاهراتية. سعي حققت فيه اختراقات في وسائط لم تطأ مرافقها أقدام معماري من قبل. منابر منصات قدمت فيها العمارة بأسلوب السهل الممتنع الذي لامس مشاعر الناس خفقت له قلوبهم. فحققت بذلك أهم أهدافي التي شكلت أساس مسيرة تطوافي في عدد من وسائط التواصل الجماهيري. مسيرة واصلت فيها بإصرار عنيد لفترة قاربت النصف قرن من الزمان لا زلت أواصل. بدأتها بأكثر تلك الوسائط انتشاراً وشعبية الراديو الإذاعة التي حققت فبها اختراقات أعتز بها للغاية. ليس ببعيد عنها نقلت نشاطي للشاشة الفضية التلفزيون مبتدأ بلقاءات أجريت معي في بعض قنواتها. علاقة تطورت لبرامج متميزة أعددتها وقدمتها. علاقة كان مسك ختامها أدوار مؤثرة في إنتاج وتقديم أفلام وثائقية اعتز بها أيما اعتزاز. في النهاية نجح تطوافي في تلك الوسائط في مواكبة أخر مستجدات العصر. واحدة من إنجازاتي فيها مدونة في موقع الفيسبوك دشنتها في عام .2018 أكثر ما أدهشني في هذه التجربة أن عدد مقدر من قرائها من خارج مجالها المعماري. إقبال دفعني لتوسيع تعاملي مع تلك المواقع الإسفيرية ليشمل منصة أل LinkedIn. التي تتابعها شرائح مختلفة نوعا ما من متصفحي مدونة الفيسبوك. أملا في التوفيق بينهما الظفر بالحسنين صارت مقالاتي تنشر متزامنة فيهما معاً.
وثقت نهاية الثمانينات لتمددي في أطراف وحواشي وسائط التواصل الجماهيري. مستهدفاً هذه المرة مراكز ومنتديات العاصمة الثقافية بعضها تابع لدول أجنبية غربية. بالإضافة لأخري أسسها نخبة من رموز مدينة أمدرمان في أحيائها التي منحتها بعداً شعبياً. زخم فكري ثقافي معماري الأبعاد انتقلت عدواه لكلياتها وأقسامها في الجامعات. لتشكل مع تلك المراكز الثقافية حراكا ملموساَ أتاح لي فرص ذهبية لم أتردد في اقتناصها. أعددت نفسي لها بإضافات مؤثرة للغاية كانت ثمرة اجتهاداتي في مجال التصوير الفوتوغرافي. مكنتني من تنظيم معارض صور من أعمالي مصاحبة لمحاضراتي المعززة بشرائح منتقاة من بعضها. إضافات منحت مساهماتي في تلك المراكز والمنتديات أبعاداً بالغة الأهمية. عززت من قيمتها أتاحت لي التواصل مع كافة شرائح المجتمع. صفوة من أوربيين ونخب من الإنتليجنسيا. يتقدمهم دائماً الزملاء المعماريين وطلاب متطلعين دائماً بلهفة لكل ما هو جديد في الشأن المعماري. حراك جمع تلك الأطياف وفر لي منصات ممتازة. كرست جل ما قدمته فيها لاستعراض كافة جوانب عمارتنا السودانية. فرصة ذهبية اغتنمتها تعاملت معها برؤى ظواهرتية أسفرت عن أبعادها الإنسانية فتجلت في أبهي صورها. تطواف أسس لعلاقات خاصة مع عدد مقدر مع متابعي محاضراتي. تطورت لخطوات عملية متقدمة مع عدد منهم يتفقون مع في طموحاتي وأشواقي. استثماري في علاقاتي مع جهات معنية بتلك الاهتمامات مكننا من تأسيس روابط وجمعيات معنية بالشأن المعماري. أذكر منها بالتحديد نادي العمارة. الذي استضافنا في مرافقها لفترة من الزمن جهة كانت تمثل منظمة اليونسكو العالمية. تجربة متميزة لم يكتب لها الاستمرار لظروف خارجة عن إرادتنا نتمنى أن تتاح الظروف لتكرارها بشكل ما.
في خواتيم عقد الألفية الثاني قلصت نشاطاتي متعددة المسارات دخلت في مرحلة كرستها للتأمل والعطاء الفكري. توجه وجدت فيه متنفس في مدونة الفيسبوك. التي قادتني لاحقا في رحاب ذلك المجال الإسفيري إلى أل LinkedIn كما ذكرت من قبل. تجربة لا زلت أواصل فيها بهمة عالية بأحاسيس ووجدان ظواهري الجذور. بالرغم من تحفظ بعض الزملاء على هذا التوجه باعتباره لا يليق بمقامي كعالم مرموق في هذا المجال. أجد لهم بعض العذر لأنهم لا يعلمون شئي عن مكامن دواخلي التي قادتني إليه. التي وجدت ضالتها في زخم منهمر من تفاعل قطاعات عريضة من متصفحي المدونة. تجربة أعظم ما فيها أنني اكتشفت اهتمام نسبة مقدرة منهم بالشأن المعماري. بالرغم من أن لا علاقة له بمجال تخصصهم وعملهم. ظاهرة تأملتها بعمق أنا أأتصفح مقالاتي في المدونة منذ تدشينها في عام 2018. لمست فيها عظيم اهتمامهم بكافة جوانب العمارة التي تناولتها في مقالاتي المتتابعة الذي كشفت عنه ملاحظاتهم الأريبة. تفاعل عبر فيه عدد مقدر منهم عن رغبتهم في أن تجمع تلك المقالات لتصدر في مجموعة من الكتب. خواطر ومقترحات حفزتني تفاعلت معها بجدية عدت أراجع تلك المقالات. التي يمكن أن تجمع كل مجموعة منها في كتاب يعكس جانب من جوانب العمارة السودانية. مشروع كبير طموح بلا شك سيسد فراغ كبير. حلم ظللت أحمله بين جوانحي أبحث بهمة في طرق تنفيذه. لكنني أصدمت بحائط صد منيع له علاقة بمكون أساسي من مكونات تلك الكتب. الصور الفتوغرافية التي تحتاج لمستوي عالي من الطباعة ونوعية الورق. متطلبات تقف عائق كؤود أمام تنفيذ هذا المشروع التي لا زلت أجتهد لتجاوزها.
مواجه برغبة عدد مقدر منكم والحاحهم على إصدار تلك الكتب كان يجب أن أفكر في طريقة لتجاوز هذه العقبات. فهداني تفكيري أن ألجأ مؤقتاً لإصدارها بنظام ال .PDF الذي يسمح لمن يتعامل مع الكتاب أن يتصفحه عبر شاشة حاسوبه بدون أن يتمكن من طباعته. أهم ما في هذه العملية أن صور الكتاب ستظهر بنفس مستوي دقتها وألقها هو غاية ما أصبو إليه وتتمنونه أنتم. حسب رؤيتي الأولية المبدئية فإن هذه الكتب التي سأشير لاحقاً لعناوينها ستقدم تطرح بطريقتين مختلفتين. الأولي في شكل كتاب مجمعة فيه عدد من مقالات المدونة ذات صلة بموضوعه. التي تظهر فيه كل واحدة منه بنفس طريقة ظهورها في المدونة. نص متطاول تعقبه مجموعة من الصور. الطريقة أو الخيار الثاني مختلف بشكل أساسي إذ تظهر الإصدارة في شكل أقرب لشكل الكتب العادية. تخضع لنقس ضوابط إعداد الكتب التي يشرف عليها يعدها مصمم مختص. مما يرفع من تكلفة إنتاجها التي تنعكس غلي سعرها. بعد هذا الشرح المغتصب سأوافيكم لاحقاً بتفاصيل أوفي عن مشروع كتب أل PDF الطموح.
كان هدفي الأساسي في تناولي للشأن المعماري في كل منابر ومنصات وسائط التواصل الجماهيري هو الحالة السودانية. أي بٌعد أو بعض انحراف عن مسارها كان يتم لتسليط مزيداً من الضوء عليها وكشف بعض جوانبها المهمة. مما جعلني أعتبر هذه الحالة نقطة انطلاقي لمشروع كتب أل PDF الذي أشرت إليه هنا. فقررت أن يكون محوره الأساسي عمارتنا، العمارة السودانية. على أن يغطي كل واحد من كتبها جانب من جوانبها بشكل مباشر أو غير مباشر. مبتدئ بالتعامل معها على أساس التتابع الزمني. بداءً بالحقب الضاربة في القدم مروراً بالقديمة منها انتهاءَ بالأزمنة الحديثة. تعامل سيرسم من خلال عدة كتب من هذا المشروع صورة لوحة بانوراميه مدهشة تكشف ثراء عمارتنا.
يمكن تأملها أيضاً من خلال كتب أخري تكشف جانب أخر من جوانبها. هذه المرة من خلال تصنيفها طرازياً، مثلاً العمارة الكلاسيكية والمحلية إشارة لعمارة القبائل بالإضافة لعمارة المدن الحضرية الحديثة. أنواع من العمارة تزخر بها بلادنا تتميز بها. هذه الجوانب المتفردة أفرزت تلقائياً ظاهرة إضافية جديرة بالتوقف عندها تضيف بعداً مهما لعمارتنا السودانية. بعد يحتله يرتكز فيه عدد من معمارينا الأفذاذ من أكثر من جيل. الذين وصع كل واحد منهم بصمة بائنة جديرة بالتوقف عندها والتعرف غلي مساهماتها المتميزة. ما أشرت إليه هنا من بعض ملامح عمارتنا السودانية يرفع يعلي من قيمة كتب أل PDF لتي ستوثق لها. التي يمكن أبضاً أن تضاف لقائمتها نوعية أحري. تخرج من عالم الكلمات لتبحر في فضاءات الصور الفتوغرافية مستثمرة في أرشيفي الخاص. الزاخر نفائس منها تغطي جوانب عديدة من رصيد العمارة السودانية وإبداعات زملائي المعماريين الأفذاذ. عدة كتب أو (ألبومات) منها يمكن أن تغطي جوانب من عمارتنا مثلا الكلاسيكية او التقليدية أو الشعبية وما إلى ذلك. أرفق هتا مجموعة منتقاة من أرشيف أعمالي من الصور الفتوغرافية. لأدلل على جدوى تخصيص كتب لمجموعتها.
البروفيسور مشارك دكتور معماري/ هاشم خليفة محجوب
المنامة عاصمة البحرين-أغسطس 2023
َمجهود جبار وعظيم.. حققت فيه ذاتك وآمالك العراض.. ربنا يبارك ويزيد في علمك.. لتنتفع به الأجيال.. موفق دوماً يا بروف.. ولك الود والثناء.