حضارة كوش الضاربة في القدم: إبداع معماري فوق التصور
تمددت حضارة كوش الضاربة في القدم لفترة متطاولة من تاريخ بلادنا. أرخت لها الحقبة التاريخية من 2500 قبل الميلاد حتى القرن الرابع الميلادي ما قبل ذلك على نحو ما. شهدت ظهور و سطوع نجم ثلاثة ممالك هي بالتتابع كرمة و نبتة ثم مروي متنقلة على ضفاف نهر النيل العظيم. بداءً بمناطق في نواحيه الشمالية منتهية و منهية أسطورة تلك الملحنة الحضارية في أخر ليس ببعيد من أواسط بلادنا. عوامل سياسية حضارية و ثقافية مؤثرة أدت لوضع تلك الممالك الثلاثة في إطار حضارة كوش. التي اجتهدت لتميز نفسها عن كيانات حضارية سياسية ازدهرت في بلدان مجاورة شكلت قوي مؤثرة زمانئذٍ. سعت كل واحدة من تلك الممالك بشكل دؤوب لكي تؤسس لنفسها سمت حضاري ثقافي متميز في إطار حضارة كوش العريض. بالرغم من قوة جذب بلدان مجاورة و اخري بعيدة عنها. بالتحديد جيرانهم الشماليين الذين جمعت بينهم عوامل كبيرة الأثر تحديدا الجانب الديني العقائدي. لكنها كانت دائماً تنجح في الفكاك منه بطرق أريبة مؤسسة لنفسها كياناً حضارياً ثقافياً متفرداً. مُشكلة ملاحم جديرة بالانتباه و الاهتمام. كانت العمارة كعهدنا بها دائماً في قلب الحدث هذا ما يعنينا هنا. الذي سأجتهد من خلال النظر في حالة كل واحدة من تلك الممالك الثلاثة. متوقفاً مركزاً على نماذج محددة شكلت نقاظ فارقة.
هنا ثمة اختلافات بين الاختصاصين إذ أن بعضهم يعتبر مملكة كرمة خارج إطار حضارة كوش. اللافت للنظر أن سبب اختلافهم هو نفسه الذي يميزها بشكل لافت عن مملكتي نبته و مروي. يتجلى بشكل واضح في العمارة فلنجعلها مدخلنا هنا. منتصف سبعينيات القرن الماضي شهد بداية عمل كبير استهدف عاصمتها مدينة كرمة. قامت به فرق استكشافية سويسرية و فرنسية مع مجموعة سودانية. حققت إنجازات باهرة بقيادة عالم الأثار السويسري شارلز بونييه الذي لا زال يواصل عمله الدؤوب هناك لفترة تجاوزت الأربعة عقود من الزمان. عمل كبير بالغ الأهمية أسس لاختراقات علمية حضارية مدهشة من خلال اكتشافات إثارية جديدة. كشفت عن أنماط عمارة مختلفة تماماً عنما هو معهود و موجود و معروف في تلك الأجزاء من بلاد النوبة. وثق لها بونيه بشكل ممتاز أسعدني الحظ أن حضرت له محاضرة عالية القيمة. أماط فيها اللثام فشرح بالتفصيل الكثير من خبايا و أسرار كشوفاته المبهرة. دعمها بعدد مقدر من الصور الفوتوغرافية فشلت للأسف في الوصول إليها من المصادر المعروفة.
أطلعنا بروفيسور بونييه من خلال مجموعة من الصور النادرة على عالم مدهش بحق. عمارة لا مثيل لها في تلك العصور البعيدة في ذلك الجزء من بلادنا. أهم ما في اكتشافاته بالغة القيمة أنها أرخت من خلالها لنزعة أفريقانية بائنة. يمكن أن أشير إليها بتعبير مستخدم في عالم صناعة الأغذية بأنه كاملة الدسم. أدلل عل ذلك بتسيد الخارطة الدائرية للمشهد على كافة مستوياته. بداءً بالقبور الصغير مروراً بالمساكن انتهاءً بالمعابد الكبيرة. استوقفتنني في رحاب تلك المعابد خصائص مدهشة تستدعي التوقف عندها و تأملها برؤييه. من أهمها اكتظاظها بالأعمدة الذي تبدو كأنها تعتصر المتعبدين داخلها. أعادت إلى ذاكرتي محاضراتي للطلاب عن عمارة كنائس الطراز الرومانتيكيchurches Romanesque. كنت أشير فيها إلى الحميمية الجارفة النابعة من الأعمدة بالغة الضخامة. التي تبدو لكأنها تأخذ المصلين في أحضانها بدفء دافق يؤجج المشاعر الروحانية. مضت عمارة معابد تلك الأزمنة الضاربة في القدم بالأمر إلى أخر الشوط. قلبت الصورة تماماً فعكست الآية بتسيد الأعمدة الضخمة كثيرة العدد و المتقاربة للمشهد تماماً. محتلة جل الفراغ الداخلي تاركة مساحة ضئيلة محدودة لحركة المتعبدين. هذه واحدة من أسباب افتتاني بعمارة تلك العصور الموغلة في عمق التاريخ. لأنها تضج تنضح بالمعاني النبيلة السامية العميقة. التي تجعل عمارة هذا الزمان تتواري خجلاً بالرغم من تمجيدنا الغير مبرر لها.
نعود مرة أخري لموضوعنا الأساسي هنا هو حالة مدينة كرمة عاصمة أولي ممالك حضارة كوش. المحتشدة بالعديد من المفاجآت على كافة مستوياتها تنافس بعضها البعض في الروعة و المخزون المدهش من الأسرار. تمكن العلماء و المختصين في هذا المجال من فك شفرة بعض منها. لكنني أعتقد بأن العديد منها لا زال يحمل سره في بطنه كما يقول المثل السوداني. أي أنه يحتاج للمزيد من الإيضاحات بالرغم من اجتهادات من تصدوا لهذا العمل المهم الكبير. على سبيل المثال نمي إلى علمي أن هذه المدينة العاصمة المبهرة شهدت ميلاد أول نموذج للبيت بمعناه المعروف الأن. إنجاز بالغ الأهمية إذا نظرنا للأمر في إطاره التاريخي. إذ أن أحداث هذه الحقبة التاريخية جاءت بعد العصر الحجري الذي أعقبته العصور المعدنية البرونزية و النحاسية. مما يعني أن عمارة البيوت هنا تمثل أول مرحلة في تاريخ تلك العمارة بعد أن خرجت من الكهوف و انفكت من إسار الجبال. اختراق معماري جدير بالاهتمام إذا توفرت شواهد تدل على صدقية أنباءه. معلومات أولية بالغة الأهمية وصلتني بدون كثير إيضاحات تشفي الغليل العلمي. أتمنى من زملائنا الخبراء و العلماء المختصين في مجال الأثار أن يولوا هذا الأمر عظيم اهتمامهم. واقع الحال أن العديد من الشواهد التي لمستها في معالم هذه المدينة يجعلني أحس بصدق ما وردنا من معلومات عن تلك البيوت.
أكثر مشهد أسرني في مجمل عمارة كرمة هو ذلك الصرح الذي يهيمن على أفقها. مشهد المؤثر للغاية غمرني بإحساس أنه ما زال يخفي الكثير من الأسرار بين جوانحه بالرغم من تدفق المعلومات عنه. يعرف باسم الديفوفة الغربية أو الكبرى للتفرقة بينها و بين ديفوفة أخري أصغر في منطقة المدافن في طرف المدينة. اسم يعني بلغة قبيلة المحس الجبل الشاهق الأحمر. قدر ارتفاعه في زمان مضي بخمسة و عشرين متراً يستنتج أن عوامل التعرية خصمت منه. مما دعي أحدهم للإشارة إليه بناطحة السحاب قياساً بمعايير ذلك الزمان. نهضت تلك الديفوفة في وسط حاضرتهم مهيمنة تماماً مطلة على كافة أجزاءها الجاثية في خضوع و خنوع تام عند أعتابها. بما فيها مجمع قصر الملك المجاور لها الذي ارتبط بها بممر. مشهد في مجمله و كل تفاصيله يدل على منظومة حضارية مدنية متقدمة للغاية أفريقانية الهوى و الهوية. شكلت الأساس لحضارات جاءت من بعدها خرجت من صلبها و اخري مجاورة لها ما فتأت تنكر فضلها عليها. ممالك حضارة كوش المتعاقبة التي اقتفت أثرها، نبتة و مروي. بالإضافة لجيرانها في الشمال مؤسسي الحضارة و العمارة الفرعونية الذين ينكرون و يتنكرون لجزورها الأفريقانية.
أدلل على ذلك بعدة شواهد من واقع ما أفرزته حالة مدينة كرمة عاصمة ذلك الإقليم التي ابهرتني. من أهمها مكونات حضرية بعينها وضعت الأساس لعمارة تلك العصور الضاربة في القدم بما فيها التجربة الفرعونية. حقيقة ينكرونها بإصرار بالتبراء من أصول و جزور عمارتهم الأفريقانية. أستدل على هذا الادعاء بشواهد بعينها من واقع تجربة مملكة كرمة في ذلك الزمان الموغل في القدم. أكثر ما لفت نظري فيها استعانتهم بمكونات مستوحاة من الطبيعة كمرتكزات أساسية في حاضرتهم. وضعت الأساس لعصور و حضارات أتت بعدهم بعدة قرون. من أهمها الجبل الأشم، الديفوفة الغربية التي أشرنا إليها من قبل. الذي اجتهدوا بتشييده بالطوب و كتل اللبن- الطين- لكي يجعلوه يبدو كأنه جبل طبيعي. لم يحاولوا أن يجعلوه شبيه بأي مخلوق أو شخص مهم بالنسبة لهم مثل الملوك و الأباطرة. فبداء شكله محيراً للغاية أشبه بعمل نحتي تجريدي بالغ الضخامة. لكأني بهم هنا قصدوا أن يضفوا عليه سحر التكوينات الطبيعية المشابه. فجاء قمة في التعبير اكتسب قيمته من أنه مفتوح لكل التأويلات التي منحته هالة من الغموض المستحب في مثل هذه الحالات.
حاول المختصون في كافة المجالات المعنية بدراسة مكونات الديفوفة الغربية أن يميطوا اللثام عن الغموض الذي يلفها فخرجوا بنتائج مدهشة. عدة شواهد تدل على حالة حضارية متقدمة للغاية خلال تلك الحقبة الموغلة في القدم. شهدها موقع ذلك الجبل الاصطناعي الأشم في عدد من مكوناته و مستوياته المتعددة. أشارت فيها شواهد عديدة على نشاط كان يدور حولها معني بصناعة منتجات كان يتم تصديرها لبلدان مجاورة. مما يشير لفكر و فهم متقدم و مظهر حضاري راقي. استوعب المناشط العبادية في إطار حضري حضاري واحد. تصميم و أعداد ذلك الصرح يشف عن نفس ذلك الوعي. على سبيل المثال الأدراج او السلام المفتوحة التي تقود إلى الأجزاء العليا جاء موضعها في جزء جانبي حتى لا تخصم من روعة المشهد و هيبته البازخة. تتوزع المعابد المفتوحة في عدد من مستوياته. منتهية بسدرة المنتهي في أعلي جزء منه مطل على كافة أجزاء حاضرتهم المضجعة في استكانة بادية عند أعتابه. المشهد الأخاذ في الجزء الأعلى جعل الباحثون و المنقبون يستميتون أملا في الحصول على معلومات دقيقة عنه. كان يحدوهم الأمل في الحصول على تمثال للألة أمون. أهم و أكبر ألهه كافة تلك الحضارات الضاربة في القدم موحداً بين الفرعونية و ممالك كوش. بعد جهد مضني خاب حدسهم لكنهم اكتفوا من الغنيمة بالإياب. اكتشافهم للعديد من جوانب هذه الدراما الحضرية المدهشة.
أكمل أهل تلك المملكة فكرة الديفوفة باستلهام عنصر أخر من عناصر الطبيعة بشق مجري مائي على الجانب الأخر من عاصمتهم. في منطقة استضافت ما نسميها نحن مدافنهم. لكنها من واقع مفاهيمهم الراسخة هي بوابات ولوجهم لعالمهم الثاني السرمدي الأبدي. في منطقة يحرسها نصب منتصب أشم هو الديفوفة الشرقية الصغرى. أسسوا فيها نظام مدافنهم دائرية أفريقانية الجزور و السمات. بالرغم من اختلاف نظامهم عن حضارات جاءت من بعدهم وضعوا لها الأساس لفكرة تبنوها و طوروها من بعدهم. تأسست على مفهوم المجري المائي الاصطناعي الذي شقوه في جانب من حاضرتهم استوعبوا فيه مدافنهم. جعلوا عبوره يجسد الانتقال من حياتهم الأولي لمرحلة حياة ممتدة أبدية. فكرة طبقتها الحضارة الفرعونية مستثمرة في النهر الذي يشق موطنهم. الذي قسم مستوطناتهم لما نسميه بمفاهيمنا الحديثة لمدن الأحياء و الأموات. هذا المجري المائي الصناعي أكمل الصورة مع الديفوفة الغربية مقدماً حاضرة مملكة كرمة كنموذج حضري حضاري بالغ التميز. تجاوز مداه الزمني واضعاً خارطة طريق لحواضر ممالك جاءت من بعده في إطار حضارة كوش. أيضاً لحضارات خارج ذلك الإطار في الممالك الفرعونية التي ازدهرت في شمال وادي النيل.
الحقبة من 750 ق. م. ألي 542 ق.م. أرخت لمنعطف أو منعرج جديد في مسيرة حضارة كوش. سطع فيه نجم مملكة نبتة الثانية في ذلك العقد النضيد من الممالك الثلاثة. أكثر ما استوقفني في سياق إنجازاتها الحضرية أو شبه الحضرية مشهد موقع فضاء احتفالي عبادي في الهواء الطلق. تمدد بسخاء في سهل منبسط عند أعتاب جبل البركل الأشم الناهض في كبرياء في ذلك الفضاء المفتوح. حيث كانت تلتقي عظمة الخالق العظيم من خلال منظومة من فيض الطبيعة البازخة المدهشة. مع روعة الإبداع البشري الذي تجلي في روائع معمارية شكلت معه ثنائية مبهرة. حالة فريدة تغزلت فيها في مقالة مطولة معززة بالرسومات و اللوحات و الصور الفوتوغرافية. عنوانها- مجمع جبل البركل العبادي: إطار طبيعي مذهل و عمارة مدهشة. نشرتها في مدونتي في الفيسبوك ثم وجدت طريقها إلى منصة أل LinkedIn. ضمنتها أيضاً لمواد موقعي الإلكتروني الوصول إليه عبر الرابط- drhashimk.com. بالرغم من نشرها من قبل سأتناول بعض جوانبها في هذه المقالة التي سأتوقف فيها عند بعض إبداعات عمارة حضارة كوش.
وفرت الطبيعة في ذلك الموقع أروع ما عندها من مكوناتها الأساسية. مقدمة نفسها بسخاء كمسرح إلهي مفتوح ينتظر فيض الإبداع الإنساني. الذي تداعي إليه الفراعين السود أعظم ملوك و حكام مملكة نبته يقدمون فيه للتاريخ أروع ما عندهم. احتراماً أجلالا لذلك الموقع الذي ترسخت في أذهانهم أنه شهد ميلاد أعظم و أهم ألهه ذلك الزمان آمون. فوضع أميزهم بصمات إبداعه أشهرهم بِعِانخي و ابنه تاهارقا الذي يعتبر من أعظم ملوك البشرية. في موقع كاد النهر أن يطوقه هو في طريقه لمصبه في أقصي شمال وادي النيل عند البحر الأبيض المتوسط. يغير مساره هو يمر بجواره لكأنه ينحني احتراماً له باعتباره في حضرة أقدس أرض في رحاب مملكتهم. الذي زارها و لا زال يزورها بانتظام محاطاً بباسقات النخل المصطفة على شاطئيه. الذي كان من اهم متطلبات موقع معابدهم فحرصوا دائماً على الاحتفاظ بمسافة محسوبة بعناية منه. ربطته بالمعبد وشائج قوية إذ كان يحمل إليه رهط الحجيج في مراكب الشمس بديعة التصميم مقبلين نحوه في شوق و لهفة. من جمائل النهر و مساهماته في ذلك المجفل العبادي اِستضافته على ضفته لأول مكوناته الخارجية معبد الوادي. بذلك كان ذلك النهر الخالد ركناً ركيناً من ذلك المشهد الطبيعي المحتشد باسمي المشاعر الروحانية الجياشة.
في جزء أخر من الموقع ينهض جبل البركل شامخاً في إباء ليجسد فصل أخر من دراما الطبيعة المهيمنة على المكان. سمات معينة مهدت له الطريق ليفرض سيطرته تماماً على الموقف المهيب. فهو يجلس على ارض منبسطة مستوية تكاد تكون بلا حدود لتترك له المجال منفرداً لوحده بالمشهد. هو من جانبه أكمل الرسالة بسمات يشكل بعضها حالة تكاد تكون بلا نظير لها في العالم. فسطحه في حالة استثنائية بدون تدخل من البشر مسطح تماماً. لكأنه ساحة أعدت خصيصا لاستضافة تجمعات احتفالية هو احتمال لم تتوفر معلومات تشير إليه. سمات و ملامح أخري منحته تميزاً لافتاً. واحد منها جزء صغير ناتئ في مكان عالي من واجهته الرئيسة يشبه راس حية الكوبراً. التي كانت لها قيمة رمزية عالية إذ تظهر دائماً في لوحاتهم الجدارية كحارسة لملوكهم. شواهد عديدة تؤكد اعتقادهم الراسخ في قدسية جبل البركل. على سبيل المثال لم تكن حجارته تستخدم لأي أغراض دنيوية. إذ كانوا يجلبون الأحجار لتشييد المعابد من أماكن أخري بعيدة عن موقعه المقدس. الإطار الطبيعي المحيط به و ملامحه بالغة التميز مكنته من السيطرة على ذلك المشهد المهيب في أكثر أرض في مملكتهم قدسية.
تميزت علينا شعوب تلك الحضارات الضاربة في القدم باحترامهم التام للطبيعة بكل مكوناتها. لدرجة وصلت للتقديس في حالات كثيرة أشرنا لبعضها هنا. عكس ما يحدث في زماننا الحديث الذي تتعرض فيه لشتي أنواع التدخل و الهيمنة و القهر. من تغيير لمسارات المجاري المائية و تدمير و إزاحة للجبال. حتى الغابات لم تسلم من الاستهداف. دونكم مثال من السودان حيث أزيلت غابة الفيل التاريخية في منطقة القضارف لإقامة مهبط للطائرات. فدمت تلك الحصارات الضاربة في القدم خير نموذج لحسن التعامل و التعايش المثمر مع عناصر الطبيعة. أبلغ مثال حالة منطقة جبل البركل التي أشرنا إليها هنا. حيث نري تؤامه مذهلة و شراكة ذكية رائعة بينما ما نعتبرهم نحن من الأضداد، الجبل و النهر. جمع بينهم عباقرة مملكة نبتة و فراعينها الأماجد في حالة أشبه بالجمع بين رأسين بالحلال. تتوسط العمارة هنا بإرادة و عزيمة و أبداع واحد من أعظم فراعينهم، بيانخي. الذي جعل بفكره الثاقب و إحساسه الفني العالي معبد أمون الذي صممه و أشرف على تشييده يتمدد بسخاء مجسراً المسافة بين الجبل و النهر. منطلقاً من واجهة الجبل ليجعل طرف مكوناته الخارجية تغتسل في شواطئه. تقديراً و احترماً له لتحويله لمساره قرب ذلك الموقع إجلالاً و تقديراً لروعة المشهد في تلك البقعة المقدسة.
نجحت عمارة المعبد هنا في الربط بين النهر و الجبل بسلاسة مبهرة عبر عدد من مكوناته الخارجية و الداخلية المتنوعة. مستدرجة من خلالها بفطنة وذكاء رهط الحجيج الوافدين إليها بمراكب الشمس فتانة الجمال. بعد توقف عند معبد الوادي الصغير المتضع عند ضفة النهر. لينطلقوا بعد ذلك عبر طريق طويل محفوف بتماثيل حيوانات جاثيات. تُربت عليهم برفق و مكر و دهاء تسوقهم بهداوة نحو المعبد الشاخص في الأفق. حيث تستقبلهم عند مدخله أزواج مسلات و تماثيل فتأخذهم بالأحضان لتبدأ رحلتهم داخل المعبد. ليتنقلوا من مكون داخلي الي الذي يليه حتى يصل بهم المطاف إلى سدرة المنتهي. غرفة المزار الصغيرة المرتكزة في جوف و عمق المعبد تكاد تلامس واجهة الجبل الذي يحرسه في إباء و شمم. رحلة عبادية يعيش فيها رهط المتعبدين تجربة فضائية وجدانية إيمانية غير مسبوقة. لم يجود الزمان بمثلها او لنقل يُوجد لها منافس. تستثمر تراهن على المعالجات الفضائية. الذي تضيق دواخله و تزداد عتمة بشكل تصاعدي مع تقدم المتعبد في رحلته العبادية يصل إلى قمتها في عمقه. معها يزداد يتأجج الإحساس الروحاني ليصل إلي أقصي مداه عند منتهاها. عبقرية بعانخي هنا أنه نجح من خلال هذه الرحلة العبادية عبر مكونات المعبد في الربط بفطنة وذكاء فائق بين النهر و الجبل. في مشهد لو راه الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر لطبق عليه رؤية رقصة الأربعة. مضيفاً إليها أبعاداً جديدة بدخول النهر و الجبل لمنظومة الناس و الألة و الأرض و السماء.
علاقة العمارة هناك مع الجبل المتجسدة في منظومة المعابد المتضعة عند أعتاب الجبل مذهلة و تضج بالمعاني و الإيحاءات الرمزية. هناك عدد منها أكبرها معبد أمون الذي اكتسب أهمية خاصة كان هو الأكبر. واحد من أسباب تميزه أنه كان يستضيف أخر مرحلة من مراحل تتويج الملك الجديد التي تتم بمباركه كبار الكهنة. توالي بعده تشييد معابد أصغر حجماً و أقل أهمية نسبياً. أخر واحد منها أصغرها حجما معبد مُوت الذي أكتسب أهمية خاصة لعدة اعتبارات سأشير إليها لاحقاً. ثمة جوانب في علاقة المعابد بالجبل جديرة بالاهتمام و الانتباه. على سبيل المثال توزيعها حوله في ذلك الفضاء الرحيب و توجه محاورها جعلها تبدو كأنها تشع منه. علاقة فضائية زاخرة بالمعاني يمكن أن نردها لعقيدتهم الراسخة في قدسيته. أنظر أيضاً بعمق إلى جانب أخر من علاقة المعابد بالجبل قد شيدت في أزمنة متتابعة. الواضح أنها عبر الزمان كانت كل مرة تشيد في موقع أقرب إليه. أخر واحد هو معبد موت الذي تجاوز مرحلة الاقتراب منه و الالتصاق به. فقد قام مصممة الفرعون العبقري الفيلسوف تاهارقا بعملية اختراق معمارية غير مسبوقة خلال مرحلة حضارة كوش. الذي جعل الجزء الداخلي منه محشوراً في جوف الجبل. قرار جرئي أسسه على رؤي فلسفية حلق بها في أفاق روحانية بالغة السمو سنشير لها لاحقاً.
فكرة تصميم معبد موت تستحق أن تروي عشرات المرات للمهتمين بالشأن المعماري في قمة تجلياته. أيضاً لكل من يهتم بجوانب الفنون الإبداعية بكافة أجناسها. فالمصمم تاهارقا الفرعون المغوار الفيلسوف العبقري المعماري يستحق منا مزيداً من تسليط الضوء عليه و علي أعماله. فهو يمثل حالة استثنائية على مستوي العالم. اضطلعت على إفادات بالغة الأهمية من تجربة تصميمه للمعبد. قبل أن أشير إليها أستعرض سر اختياره لموقعه عند سفح الجبل. الذي جعله مستظلاً بالصخرة الناتئة في واجهته الشبيه براس الكوبرا لكأنه أراد أن يؤمن له حراسة محكمة. ثم حشر الجزء الداخلي منه الأكثر قدسية داخل الجبل. فجعله أشبه بجنين لا زال يتغذى في بطن أمه بالحبل السري. لم تنتهي المفاجآت عند هذا الحد فقد أزال عرش الصالة التي تؤدي لجوف المعبد. موفراً منظراً لمن يسلكه ترفرف فوقه دراما روحانية تؤججها رؤية شاخصة للسماء. الذي يشكل خلفية عامرة بالإيحاءات لمنظر الجزء الأعلى من الجبل و الصخرة الناهضة منه الشبيه براس الكوبرا. لم يتأتى ما أشرت إليه هنا بمحض صدفة. إذ كان حصيلة فكر عميق سطره ذلك الفرعون الفيلسوف بأحرف من نور. تحدث فيها و أسهب عن الثنائيات التي تؤجج روعة المشهد. مشيراً لبعضها مثل الأرض و السماء و العمارة و الجبل. في سرد محتشد بالإيماءات و الإيحاءات. لتفاعل معه لو اضطلع عليها الفيلسوف مارتن هايدغر و المعماري العبقري بأولو بورتغيزي و صنوه كرستيان نوربيرغ- شولز. فخروا ساجدين كما كان يفعل أهل حضارات الحقب الضاربة في القدم.
كرت قرون و عقود من الزمان لتنائي حضارة كوش بنفسها تبتعد عن موطنها في الأجزاء الشمالية من وادي النيل. بعيداً عن جيرانها الشماليين. لتؤسس مملكة مروي أخر ممالكها في موقع إلى الجنوب قرب ضفاف النهر. خلال حقبة من الزمان امتدت من 542 ق. م. حتى القرن الرابع الميلادي. ابتعادها عن الـتأثيرات الخارجية مهد لها الطريق لبلورة واقع حضاري متميز للغاية. مضي في عدة اتجاهات و محاور أساسية شكلت أهم أركان الهوية. على راسها اللغة حيث ظهرت المروية جنباً لجنب مع الهيروغليفية. التي تميزت عليها بحروفها المكتوبة عوضاً عن الرسومات المستخدمة في اللغة الهيروغروفية. اقتحمت مسارات الهوية مكون أخر مهم للغاية لامس البعد الديني. إذ سطع في فضائها الاله اباداماك الذي انضم للمنظومة العبادية الموروثة. عبر معبده الأشهر في أهم حواضرها و يشار إليه بمعبد الأسد رمز دلك الإله. الذي تميز بطابع معماري متفرد سنعود إليه لاحقاً. عمارة تقودنا مباشرة لاهم ملامح بصمة هذه المملكة و سمات هويتها في إطار حضارة كوش. معروف ضمنا دور العمارة كراس الرمح في التحولات الحضارية في كل الازمنة على مدي التاريخ. فلتوقف عندها للنظر في نماذج مؤثرة ساهمت بها مملكة مروي في إثراء حضارة كوش.
سجلت ساحة عمارة مملكة مروي واحد من أهم مظاهر الخروج من بيت الطاعة الحضاري. الذي شهد نزعة نحو التجديد و الخروج من الأطر الموروثة سنشير إليه هنا في إطار نماذج معمارية محددة. لعل من أبلغها مجال الأهرامات التي شهدت تحوراً ملموساً. نلاحظه في شكلها العام و حجمها أيضاً أجزاء أخري أساسية. فالأهرامات هنا أصغر حجما إذ قارناها بالنماذج الموروثة. تميزت أيضاً باختلاف واضح في زاوية ميلانها التي تبلغ سبعين درجة مقارنة بالخمس و أربعين درجة في أهرامات العهود السابقة. مما يؤمن لها حضوراً طاغياً في ذلك الفضاء الرحيب. بالإضافة لاختلافات اخري أساسية. فغرف التابوت مثلاً هنا في باطن الأرض ليست في جسم الهرم و هو أمر سمح بجعل أحجامها أصغر. هذه الاختلافات الأساسية منحت عمارة أهرامات مروي تميزاً لافتاً و ألقاً مترفاً و أناقة مبهرة. لعل واحد من أهم أسبابها العلاقة الحميمة هنا بين مبني الهرم و المعبد الجنائزي الذي يتصدر المشهد يجلس مستكيناً عند اعتابه. أعتقد أن الحميمية هنا نابعة من تقارب حجميهما. إذ أن صغر حجم الهرم النسبي يقلل من الإحساس بطغيانه على المشهد. أعتقد أيضاً أن صغره حجمه هو من أهم أسباب روعته و حضوره الطاغي الجذاب. الذي يسمح باحتوائه في نظرة واحدة معمقة.
اتسمت عمارة المعابد خلال فترة مملكة مروي في مجملها بانضباط واضح و التزام يكاد يكون صارم بالأنماط المعروفة الموروثة. لكن بعض الحالات منها شهدت مظاهر تمرد. واحد منها غرد خارج السرب تماماً موثقاً لحالة فريدة في نوعها عجز من استعرض حالتها في أن يجد لها مبررات مقنعة. الحالة الأولي هي معبد الأسد الذي وثق على رؤوس الأشهاد لميلاد إلههم الجديد أباداماك. اكتسب اسمه من شكل الإله نفسه الذي يظهر في اللوحات الجدارية برأس أسد. عمارة بالغة التميز تسجل لحالة تمرد بائن عن الأنماط الموروثة. قد بكون القصد من بعض الاختلافات هنا إقرارهم بمكانة إلاهم الأكبر أمون. فيبدو أنهم هنا لم يشاؤوا يجعلوا معبد الأسد مشابه في تصميمه و حجمه لمعابده و لله أعلم. على سبيل المثال هذا المعبد صغير في حجمه لا تتصدره أي عناصر مثل المكونات الخارجية في معابد أمون. مثل ممر التماثيل الجاثيات و زوج المسلات المنتصبة أمام المدخل. من أهم ما بميز عمارته عدم التناسق بين البوابة و مبنى المعبد فالوضع هنا معكوس تماماً. بوابة ضخمة نسبياً تتصدر مبنى المعبد الأصغر حجماً. فهل أرادوا بتعديل التصميم هنا أن يعبروا عن درجة الإلهم باعتباره أقل شأناً من الإله أمون. الأكبر مقاماً و أعظم شأناً لتلك الحضارات القديم.
حالة المعابد الثانية التي غردت خارج السرب تماماً عنوة و اقتدارا يشار إليها بالكشك الروماني. تبدأ أوجه تميزه المبهر بالاسم نفسه الذي أجمعت توافقت عليه جهات مختصة بهذه المجالات. من أهم مظاهر تميزه اختلافهم في تحديد طبيعة استخداماته في ذلك الموقع العبادي مترامي الأطراف. بينما ما اعتبره البعض معبداً قائماً بذاته صنفته مجموعة منهم بأنه مجرد هيكل مكون ثانوي في ذلك الموقع. يضاف لأسباب تميزه طرازه المتفرد في شكله العام و كافة تفاصيله. على سبيل المثال شهد ميلاد أول عقد او قوس أرش نصف دائري سطع متوجاً نوافذ واجهته. فسجل واقعة غير مسبوقة في ذلك الزمان حيرت العلماء لأنه أثر روماني غير موجود في تلك الأنحاء من العالم. لم تكتفي العمارة هنا بهذا القدر من الإدهاش. فقدمت لنا أيضاً في نفس تلك الواجهة تيجان أعمدة ما أنزل الله بها من سلطان. حيرت خبراء الأثار و العلماء في مصادرها التراثية. فاكتفي بعضهم من الغنيمة بالإياب فاقتنع بأنها مستوحاة مقتبسة من تكوينات نباتية. نحن هنا أمام عمارة تضج بالمكونات مفرطة التميز. لدرجة أنه من الصعوبة بمكان معرفة مصادرها في إطار مجمل طرازات عمارة تلك الأزمنة الكلاسيكية. هكذا تمضي عمارة الكشك الروماني يلفها الغموض تتحدي العلماء و الخبراء في أن يفكوا شفرة عمارتها. الي أن ينجحوا في ذلك سيظل ذلك الكشك يتبرج كاشفاً كل مفاتنه التي حاول الزمان أن ينتقص منها فلم ينجح. يغرد متفرداً في موقعه الفسيح الذي زاد من سحر مفاتنه جلوسه منفرداً هناك في قضاءه المتمدد بسخاء.
مرت ألاف السنين منذ أن وضع عباقرة حضارة كوش بصمتهم البائنة في سجل التراث المعماري العالمي و المحلي. أتأمل فيه و أعيد النظر على خلفية عمارتنا الحالية البائسة. الغارقة في الماديات الخاوية من المعاني العميقة فأستشعر قيمتها العالية. فأثمن عالياً مقامها السامي و أحترم كثيراً ما قدمته لنا من دروس لا تقدر بثمن. هذا هو ما دفعني لاستعراض روائعها مرة أخري. الذي قصدت أن أقدمه في شكل بانوراما تمددت لتشمل كل مراحل حضارة كوش الثلاثة. نحن هنا في السودان نستخف بها لا نعطيها قيمتها كاملة على كل المستويات و الأصعدة. أتمنى أن يجد هذا التراث المعماري موضعه الطبيعي في مناهجنا الدراسية بالذات في أولها. كان من الأجدر بذلك المدعي الذي كلف بهذه المهمة في غفلة من الدهر أن يفعل ذلك. لكنه فضل عليها مقاطع مختلف عليها مثل لوحة بدء الخليقة لمايكل أنغلو. التي تسببت في إبعاده من هذا الموقع الحساس غير مأسوف عليه. المأساة الأكبر عندا ننظر ألي طريقة التعامل معه في مستويات تعليمية متخصصة أعلي. أعني تدريسه في كليات و أقسام العمارة الذي يؤكل أمره فيها لمن تواجد و حضر. عدد مقدر منهم غير مختص في هذا المجال فيتعامل معه بسطحية تفقده الكثير من قيمته. يمضي الأمر على هذا النحو باعتبار أن هذه المادة الدراسية غير أساسية. فيتخرج الطالب مشبع بهذا الفهم القاصر و معه مفاهيم الحداثة التي تضطهد تراثنا ن تزدريه. فتكون النتيجة النهائية هي تلك العمارة فاقدة الهوية و المضامين النبيلة لا تمثل إلا نفسها.
أرجو ألا ينظر لهذه المقالة عن عمارتنا الكلاسيكية بأنها ضرب من ضروب البكاء على الأطلال. بالرغم من أن جوانب منها تستدعي ذلك. أكن احتراماً و تقديراً بلا حدود لكل الاختصاصين العاملين في تلك المجالات. تربطني بهم علاقات حميمة للغاية جعلتهم يعتبروني جزء أصيلاً منهم. من هنا أبعث بتحية خاصة لمديرهم السابق الدكتور عبد الرحمن و باقي الفرسان و الفارسات الأماجد. من أهم دواعي تقديري لهم أنني أعرف حق المعرفة الإمكانيات المحدودة جداً و الظروف الضاغطة التي يؤدون فيه عملهم بإخلاص و تجرد. للمحافظة و العناية بكم مهول من المخزون الأثري عالي القيمة موزع في أصقاع البلاد النائية. بالرغم من أنني لست مختص في مجال الترميم لكنني عاتب على بعض ما يحدث فيه يمس أعظم ما نملك من كنوز أثرية. مثال لذلك بوابة و واجهة معبد الأسد أحد أهم إنجازات عمارة مملكة مروي التي توقفت عندها في جزء من هذه المقالة.
للأسف الشديد تمت صيانتها بشكل مسح تماماً أعمال النقش الغائر التي زينت صفحتها سطع فيها صاحب المعبد الهم أبادماك. للأسف الشديد نفس الأذى أصاب عدد من بوابات المعابد الجنائزية التي تتصدر الأهرامات في موقع ليس ببعيد من معبد الأسد. طالتها بحسن نية أيادي الترميم الجائرة بطبقة من البياض مسحت كل أثار الزمن عليها. جعلتها أشبه بعجوز متصابية شدت وجهها و صبغت شعرها بحنة (القرود). مع أن باقي جسمها و مشيتها تحكي قصة مختلفة تماماً. بالرغم من أنني لا أريد إقامة سرادق عزاء في ذلك الموقع لكن أري من واجبي لفت النظر لمثل هذه الظواهر السالبة.
فرط اهتمامي هنا بالعمارة السودانية الكلاسيكية نابع من عدة دوافع نبيلة إن جاز لي أن أشير إليها بذلك. واحد منها طريقة التعامل السطحية معها. بالرغم من أن صورها لا تغيب عنا في مقاطع تلفزيونية متكررة ملحاحة. صارت فيها باستمرار خلفية ثابتة دائمة لعدد من الأغاني و الأناشيد المتكررة. حتى من يمنحها فرصة استعراض بعضاً منها يتعامل معها بطريقة تقريرية سطحية جافة. لا تتعمق في خفايا أسرارها و معانيها العميقة المستبطنة. هذا ما كنت أسعى له دائماً أرجو أن أكون قد وفقت إلى حد ما في تحقيق تلك الأهداف. اهتمامي بالعمارة التراثية لا يأتي من فراغ. إذ أنه في مجال العمارة تجدد في العالم الغربي في الثلث الأخير من القرن الماضي. كواحد من سبل الخروج من فخ مفاهيم عمارة الحداثة الذي ورطوا أنفسهم فيه. كانوا قد نصبوه لأنفسهم في بدايات نفس ذلك القرن. ظهر هذا الاهتمام في إطار حركة تصحيحية شاملة هدفت لتجاوز مأزق فكر توجه عمارة الحداثة. سميت بمدرسة و طراز الكلاسيكية الراجعة. قدمت مفاهيم الكلاسيكية في إهاب جديد أستوعب كل مخرجات العصر. روجت لها كثيراً في مقالاتي. استعرضت في واحدة منها عمل شارلس مور الخالد في منتزه دا أيتاليا بمدينة نيو أوراليانز الأمريكية. ظهر من قبل في مدونتي في الفيسبوك و أعيد نشره هنا في منصة أل LinkedIn لكي تعم الفائدة. كلي أمل أن تعيدوا قراءة مقالتي عن عمارة حضارة كوش في إطار إفاداتي الأخيرة.
بروفيسور مشارك دكتور معماري/ هاشم خليفة محجوب
أمدرمان- مارس2021