fbpx
+249 90 003 5647 drarchhashim@hotmail.com

عمارة التراب المثبت طوق نجاة لنجدة منكوبي السيول

اعتدت دائماً أن أستسلم لخواطر شاردة متعددة المواضيع أترجمها في شكل عناوين لمقالاتي القادمة. طالت القائمة مما دعاني لأن أبداء ببعضها بشكل سريع قبل أن تتبخر خواطرها التي تشكل أجزاء منها. فأفاقتني من حالة كنت مستسلماً فيها لمرحلة استرخاء إبداعي و بيات صيفي قصير. قطعته أحداث مفاجئة متلاحقة متصاعدة زلزلت كياني أدخلتنا جميعاً في صدمة عاصفة كارثية الأثار. عندما قررت أنهرنا الرئيسة الوادعة و روافدها أن تثور بكل عنفوانها. لتعصف بعدد مقدر ممن استجار بها و ارتمى في أحضانها في دعة و استكانة. الذين شكلوا معها شراكة ذكية لعهود من الزمان. يعبون من مياهها المخصبة المباركة يفلحون شواطئها ليفيضوا بها خيرا وفيراً يتدفق على الأخرين. مأساة فوق التصور طفحت بها التغطيات الإعلامية بكل وسائطها المتاحة. تسرد حكايات مأسوية تعجز الأفلام الهندية عن مجاراتها. مباني و بيوت ذابت مع طمي الأنهر الذي كان الناس ينتظرونه بفارق الصبر لكي يخصب الأرض و يخضر الزرع. مدن صغيرة و قرى و تجمعات سكانية مُسحت تماماً صارت مجرد ذكريات. شلت تلك المشاهد المأساوية الدراماتيكية تفكيري و زلزلت كياني. فنسيت مشاريع مقالاتي التي وضعتها وفق جدول محدد. فرضت على أجندة طارئة اعتبرها نسبة لظروفي الخاصة إسهام منى من على البعد. مع استعدادي تام لتقديم المزيد على قدر استطاعتي.

الموقف مهيب هذه المرة و الفقد جلل بحق. بشكل لا يمكن التعامل معه بالطرق النمطية المعتادة التي لم تثمر من قبل بشكل مؤثر. لم تقدم حلولاً مقنعة في التعامل مع مشاكل النمو السكاني المتوقع في الحالات العادية. التي ما زالت على حالها متراكمة تراوح مكانها منذ عقود عديدة من الزمان. أثبتت السنين و التجارب المتلاحقة أننا لم نغير أسلوب تعالمنا النمطي مع هذه الأزمات المزمنة. بالرغم من التطور و المستجدات العالمية و المحلية. التي تصدت لها عندنا خلال أكثر من نصف قرن من الزمان أعداد كبيرة من الدارسين و الباحثين الأماجد. انكبوا على مدارج العلم و قاعات المختبرات ينقبون في كافة الجوانب ذات الصلة بهذا الموضوع. كانت النتائج بلا أدني شك ثرية للغاية لكنها مبعثرة هنا هناك. بالرغم من ذلك لا زال الموقف المتأزم يراوح مكانه. تصاعدت وتيرته و تضاعف حجمه عشرات المرات بعد كارثة الفيضانات الأخيرة. بشكل يستدعى مراجعة شاملة لكل جوانبها. البداية يجب أن تكون بتقويم شامل للموقف بنظرة تاريخية لكافة أبعاده هذ هو ما ستسعى له هذه المقالة. التي سأركز فيها على جانب الإسكان و عمارة المسكن. الذي سأحصر نفسي فيه في مجال تطوير تقنية عمارة التراب أو الطين. كمدخل يقدم حلولاً عملية لمناطق شاسعة في شمال و وسط البلاد.

كانت لدى اهتمامات إلى حد ما بعمارة الطين في بداية مسيرتي المعمارية. تزايدت تدريجياً عندما تعرفت على ملامح عمارة بيوت قرى النوبيين الملصقة بضفاف النهر في أقصى شمال بلادنا. استدرجني لها بشكل معمق المعماري المصري الرسالي المبدع حسن فتحي. الذي نهل من معينها و قدمها في ثياب عصرية لم تنتقص من جمالها الملتحف برداء البساطة الجذابة و الحميمية الدافئة. فتشبع بها و أعاد إنتاجها بروح ابتكارية عالية. َموفقاً بين تقنياتها و نظم تشييدها العبقرية و أطياف جمالياتها الرزينة الأخاذة. استوعبها و هضمها فقدمها في تجربة فريدة في منطقة في جنوب مصر خارج حدود موطن النوبيين. في مشروع إسكاني نفذ في خمسينيات القرن الماضي خصص لإسكان مجموعة قبلية أخرى. قدم فيه منظومات حضرية ازدانت بها أرجاء قريتين أشهرهما اسمها القرنة. شكلت عمارة كل مبنى حالة توأمة رائعة بين تقنيات عمارة الطين التقليدية مع إبداعات جماليات عمارة النوبة التراثية المدهشة. أجمل ما فيها أنه لم يلجا للنقل الحرفي من تلك العمارة التراثية. تعامل معها بتصرف لم يُخل بمضامينها أو ينتقص من مخزون جمالياتها المترفة. فقدم لنا نموذجا رائعاً لحسن التعامل مع التراث. زادت هذه التجربة من اهتمامي و ولعي بالعمارة الطينية التي تتمتع بمرونة فائقة.

من المفارقات أن أفكار و أسلوب حسن فتحي المعماري لم يجد نفس القبول و الاستقبال الحار من النخب المعمارية و أساتذة الجامعات. الذين كانوا زمانئذٍ مرتميين في أحضان أفكار طراز عمارة الحداثة. التي عبرت البحر الأبيض المتوسط من الغرب الأوربي في عقد الخمسينيات لتحط رحلها هناك. لم تكن تلك المؤسسات الصفوية مستعدة لتعيش حالة من الردة تعود بها مرة أخرى لأحضان الريف و تراثه المعماري. المزعج في الأمر أن التحفظ الذي تطور لحالة من الرفض لأفكاره و أنماط عمارته كان مصدره أيضاً الشريحة التي خصصت لها تلك المشاريع. الذين اِستهدفوا بأنماط عمارة ليست لهم بها علاقة و لا تشكل جزءً من تراثهم المعماري المحلى. من اللافت للنظر تحفظاتهم على مكونات محددة في عمارة تلك البيوت. بالتحديد القباب التي أفتتن بها حسن فتحي و كررها مراراً و تكراراً. كان مبرر تحفظهم عليها ارتباطها في أذهانهم بالأموات إذ تعرش بها أضرحة أولياء الطرق الصوفية عندهم. دافع حسن فتحي عن مشروعه و عزى تحفظ و رفض المجوعة المستهدفة لأسباب أخرى. برره بأنه ناتج عن عدم رغبتهم في مغادرة موقع إقامتهم السابق الذي يقع فوق منطقة محتشدة بالمواقع الإثارية. اتهموا بأنهم كانوا يتكسبون من سرقتها و بيعها.

الواضح هنا أن كان هناك تباين جلى في وجهات النظر بين المعماري حسن فتحي و من يناصرونه و بين من استهدفهم مشروع تلك القريتين. بغض النظر عن أي الطرفين كان محقاً في دعواه يبقى هناك أمر بالغ الأهمية. يجب أخذه في الاعتبار بجدية نسبة لما يمكن أن يكون له من إسقاطات بالغة الأهمية كما أتضح من هذه الحالة. ردود أفعال المستهدفين بتلك المشاريع يطرح سؤال محوري أساسي. لماذا نفترض أن أنماط معمارية تراثية وجدت قبولا واسعاً من جهات محددة ستجد نفس القبول و الترحيب من مجموعات ليس لها صلة به. حالة قرية القرنة تقدم مؤشراً مهماً لشرعية طرح هذا السؤال. تنامت مشروعيته عندي بالرغم من أنى كنت في شرخ الشباب متحيزاً لعمارة حسن فتحي إلى أبعد الحدود. تضاعفت لاحقاً عندما تبحرت في العلم. فعرفت أن عمارة المسكن تتوفر على جوانب عميقة لا تجدى معها عمليات استنساخ شبيه بحالة المعزة دوللي الشهيرة. التي حاول من خلالها العلماء من قبل إنتاج و استنساخ معزة بطريقة صناعية في المختبر. ولدت فيه فقوبلت بترحاب بالغ لكن سرعان ما ظهرت عليها أثار الشيخوخة المبكرة ثم فارقت الحياة. أخشى أن نحصل على نفس النتيجة لو فرضنا أنماط معمارية اشتهرت في مكان ما على مجموعة لا صلة لهم بها. أخشى أن تتكرر نفس النتيجة فتشيخ تلك المجموعة معنوياً قبل أوانها و تموت بسرعة بنفس الطريقة و لنفس الأسباب.

حركت في أخبار و مشاهد الفيضانات المأساوية أشجان و خواطر عديدة. دعتني للتحرك بإيجابية نحو عمل يساهم إلى حد ما في إطار حملة كبيرة. التي يجب أن تتضافر جهودها على كافة الجبهات للمساهمة فيما يمكن إنجازه لتحقيق هذا الأهداف الإنسانية. ليس لدى في الوقت الحالي وظروفي الخاصة سوى أفكاري التي تحرك مفاتيح كمبيوتري. تحركني أهداف مخلصة تملا أشرعتها أفكار و أعمال حسن فتحي الخالدة المدهشة التي فجرت طاقات عمارة التراب الإبداعية. عليه، ارتأيت أن يكون مدخلي لهذا الموضوع عبر تلك العمارة النبيلة. لم يأتي توجهي لمخاطبة هذه المأساة الإنسانية من هذا المنطلق من فراغ. عندما أتعامل مع مأساة أهلنا الطيبين الذين غدر بهم النهر و عصف بأركان حياتهم. فانا أضع هنا نصب عينيي طبيعة مواطنهم الشاطئية و تربتها الملائمة لهذا النوع من العمارة. التي أسس فيها أجدادهم منذ بضع ألاف سنة صروحاً عبر تلك العمارة صارت جزءً أصيلاً و ركناً ركيناً من تراثهم الخالد. فقد أثبتت الشواهد المؤكدة أيضاً ن أهلنا في تلك المواقع المنكوبة هم أصل الحضارة في العالم التي جاءت محمولة على اكف العلم.  لهذا ارتأيت أن يكون مدخلي لعمارة التراب للتعامل مع مأساتهم عبر بوابة العلم و انجازات مباحثه.

نوع العمارة المشار إليه هنا يعرف بعدة أسماء اخترت واحد منها بناء على مسماه الشائع باللغة الإنجليزية هو عمارة التراب المثبت (1). مرت مسيرته العلمية عندنا في السودان المؤسسة على بحوث و تطبيقات عملية بمراحل امتدت لأكثر من سبعة عقود من الزمان. التي سأحاول هنا جهد طاقتي استعراض تجاربها و تقويمها. في محاولة للتعرف على جوانبها الإيجابية المثمرة و ما كان ينقصها لكي توتي ثمارها على أكمل وجه. مع كل احترامي و كامل تقديري لكل من أسهم فيها. دشنت مسيرتها الجهات المختصة في نظام الحكم الثنائي في أربعينيات القرن الماضي بمشروع صغير مكون من عدة بيوت. استخدموا فيها لأول مرة في السودان مكعبات ترابية محسنة مضغوطة ألياً. في محاولة جادة منهم للتأسيس لطرق بناء حضارية قليلة التكلفة تلائم عاصمتهم الوليدة. اختاروا لها موقعاً في الركن الشمالي الغربي لما يعرف حالياً بحي الزهور فتحت الواقع جنوب مقابر فاروق. لا أدرى ما إذا كانت لا تزال هناك أم تمت إزالتها. عرفت أن الراحل الرائد في مجال علم الاجتماع الأستاذ سعد الدين فوزي وثق لهذه التجربة في واحد من مؤلفاته و تقاريره القيمة عنها.

لا يمكن الإشارة لمساهمات السودانيين في مسيرة عمارة التراب المثبت بدون التوقف عند واحد من أهم روادها. هو المرحوم المهندس عبد الرحمن أحمد العاقب. الذي تبوءا مراكز متقدمة في مجال الحكومات المحلية حتى وصل لدرجة وكيل الوزارة. يرد له كل الفضل من بعد الله في التأسيس لهذا المجال. زاد من فضله برعايته المؤثرة للشباب المعاونين له. حتى تدرجوا في هذا المجال نالوا من العلم أعلى درجاته في الجامعات الأوربية. كان على رأسهم الدكتور المعماري الفاضل على أدم. الذي واصل المسيرة بصبر و مثابرة عالية للغاية. من أميز إسهاماته المرحلة الثانية الأخيرة في مدرسة حامد الخواض في ضاحية الحاج يوسف و مدرسة هولم بحي المعمورة في الخرطوم. التي سنشير لهما بشئى من التفصيل لاحقاً.

أول المراحل البالغة الأهمية في مسيرة عمارة التراب في عهد الحكم الوطني هي مدرسة حامد الخواض. التي شيدت في مربع عشرين بضاحية الحاج يوسف في الخرطوم بحري اِكتملت مرحلتها الأولى وافُتتحت في نهاية الثمانينات. أهمية هذا المشروع نابعة من الشركاء المهمين الذين ساهموا فيه كل حسب طبيعة اختصاصه. على رأسهم هيئة اليونسكو و هي منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة و العلوم. بالإضافة لوزارة التربية و التعليم الجهة الأساسية المستهدفة و المنتفعة بالمشروع. من أهم الشركاء معهد بحوث البناء و الطرق التابع لجامعة الخرطوم. الذي قدم المشورة الفنية بكاملها من أهمها تقنية عمارة التراب المثبت. كان على راس فريقهم مصمم المشروع المرحوم المعماري المتميز الدكتور أحمد البشير عوض الله. خير دليل على متانة مبانيه الأمطار الغزيرة التي بلغت أرقام قياسية عند اكتمال المشروع و غمرت الموقع بكامله. صمدت المباني فلم يتأثر أي جزء منها تحديدا حيطانها المشيدة بمكعبات التراب المثبت. المضاف إليه نسبة ضئيلة من الإسمنت المصنع في مكابس آليه بسيطة. دُشن مشروع المدرسة المتميز كأول انطلاقة لهذه التقنية خلال فترة الحكم الوطني. التي سطعت عمارتها في شكل مشرف للغاية إذ بدت المباني لكأنها مشيدة بالمكعبات الإسمنتية.

بعد بضع سنوات من اكتمال المرحلة الأولى من مدرسة حامد الخواض أنتقل مصممها المعماري أحمد البشير عوض الله إلى رحمة مولاه. حاملاً معه العديد من أحلامه التي لم تكتمل منها تشييد ما تبقى من تلك المدرسة. سهل الله أمرها الذي تولاه من بعده من هو ليس أقل منه كفأه لا بل تجاوزها بمخرجات أخر أعماله البحثية الإبداعية. التي أضافت لتقنية التراب المثبت بعداً إضافياً بالغ الأهمية.  هو الدكتور المعماري الفاضل على ادم الذي أشرنا إليه من قبل. تميز علينا كلنا نحن معشر المعماريين بتخصصه الدقيق في مجال مواد البناء. الذي سمح له بالتمكن أكثر و تطوير هذه التقنية الوسيطة. أضاف إليه بعداً جديدا ملائماً تماماً مكملاً لمنظومة عمارتها. نوع جديد من العروش عرف باسم عروش الإسمنت الحديدي. رفيعة السمك خفيفة الوزن مقوسة أو قبويه الشكل. ميزة شكلها أنه يمنحها قوة عالية تمكنها من مقاومة الأثقال بسمك رفيع مع استخدام أخف أنواع التسليح. خفة وزنها تجعلها الأنسب لحيطان التراب المثبت لذلك صارت مكملة تماماَ لمنظومة تقنيته

حمل دكتور الفاضل غنائمه من مركز بحوثه بجوار شارع المك نمر و ارتحل مشبع بأفكار جديدة سديدة صوب مربع عشرين في الحاج يوسف. لاستكمال ما تبقى من مراحل مشروع مدرسة حامد الخواض هناك. اقتحمه بثقة عالية بعد أن جود تقنية التراب المثبت. مستصحباً معه نظام عروش الإسمنت الحديدي الجديدة التي أخضعها لتجارب معملية كثيفة. فخطى به خطوات جريئة متقدمة سمحت له بتصميم قاعات تتمدد لبحور أو مسافات كبيرة. منحت العمارة هنا لمسات جمالية عبر عدد من العقدات أو الأقواس. التي أضفت عليها دفقاً من الحيوية و الحميمية يحتاجها الأطفال في تلك المرحلة الباكرة من عمرهم. اكتسى مظهر العمارة هذه المرة بمكعبات ترابية متقنة الإنتاج قوية للغاية منتظمة الأشكال تم تجهيزها بمكابس متقدمة الأنواع. تضاعفت الثقة بها لدرجة أنها لأول مرة استُخدمت في رصف الأرضيات التي تتعرض لحركة الأطفال النشطة الدؤوبة.

أدخلت نهايات القرن الماضي المعماري الدكتور الفاضل على أدم في تجربة جديدة. شبيه إلى حد ما بتجربة مدرسة الحاج يوسف لكنها مختلفة عنها بشكل أدخله في تحديات من نوع مختلف. الإشارة هنا لمدرسة هولم التي استعانت به لتصميمها و تشييدها صاحبتها مسز خير. بعد أن أعجبت بإنجازاته في مدرسة حامد الخواض. واحد من التحديات هنا أن المدرسة شيدت في حي المعمورة في الخرطوم. جل أصحاب البيوت فيه و سكانه من المهنيين من طبقة عالية اقتصاديا و اجتماعيا. مما انعكس على نوعية و مستوى المباني العالي. فهي بشكل عام مختلفة عن مباني ضاحية الحاج يوسف التي يغلب عليه الطابع الشعبي. يضاف إلى ذلك أنه بناءً رسوم التلاميذ المرتفعة الواضح أن المدرسة تستهدف أسر من ذو الدخول العالية. شكلت تلك العوامل مجتمعة معطيات و تحديات بالغة الأهمية لمصمم المبنى. الواضح من تصميمه و كافة تفاصيله أنه استوعبها و تفاعل معها بشكل جيد. مرتكزاً على معرفته الجيدة بتقنية التراب المثبت و عروش الإسمنت الحديدي و تجاربه السابقة معهما.

أنتقل الدكتور الفاضل لحى المعمورة ليشرف على تشييد المبنى الذي قام بتصميمه محملا بعلمه الواسع و عتاده المتقدم. لينتج عملا معمارياً مشرفاً للغاية يليق بهذا الحي. استعرض فيه مقدراته المتقدمة في صناعة عمارة مكعبات التراب المثبت و عروش الإسمنت الحديدي بثقة عالية و حذاقة فائقة. تلاعب و تفنن بالمكعبات فصنع منها عقدات أو أقواس كبيرة في واجهات المبنى و رواقاته أو برنداته. بالإضافة لنوافذ دائرية صغيرة طرزت هاماته سطعت كالشامات في وجه حسناء فائقة الجمال. فقدمت منظومة العقدات عمارة فائقة الألق. أضفت أجواء من الحميمية مرغوبة في مبنى مخصص للأطفال. أستعرض أيضاً مقدراته المتقدمة و ثقته العالية في التعامل مع عروش الإسمنت الحديدي. فزين أفق العمارة بسلسلة مسترسلة من وحداته المقوسة. أهم منجزاته في إطار تلك العروش قدمه في القاعة الرئيسة واسعة المساحة. أستعرض عضلاته الإنشائية بعرش يعبر بحرها الذي يبلغ عشرة أمتار. قدم دكتور الفاضل في عمارة المدرسة عملا مشرفاً لأصحابها و إضافة مقدرة لحى المعمورة الأرستقراطي. فخطى بعمارة مكعبات التراب المثبت و عروش الإسمنت الحديدي خطوات مهمة واثقة إلى الأمام.

شهدت بدايات الألفية فتحا جديدا عبر بعمارة مكعبات التراب المثبت إلى أفاق رحبة و مرحلة متقدمة جسورة. اٍستخدمت فيه أسلحة و عتاد جديد عماده مكابس متطورة أنتجت أنواع من المكعبات مبتكرة الأشكال و كان هذه هو سر اللعبة. في معركة كانت ساحتها في موقع منزل ضابط عظيم في حي صالحة في الجزء الجنوبي من مدينة أمدرمان حقبتئذٍ. كان بطلها المغوار العالم الجسور الدكتور معماري أحمد النذير القوني. الذي عزز علمه المعماري الغزير بتبحر في مجال مواد و تقنية المباني. خاض معركته هناك معززاً بأليات متطورة استجلبت من جنوب أفريقيا. أسس بها لأول مرة لتقنية جديدة من صناعة عمارة المكعبات الترابية تقوم على استخدام أنواع متداخلة. عظمة هذه الطريقة أنها تنتج عمارة تتميز بميزات فوق التصور. سمحت باستخدام أنواع من المكعبات الترابية لتشييد مبنى بيت من طابقين معروش بعروش ثقيلة من الخرصانة المسلحة. بالإضافة لميزات أخرى بالغة الأثر و القيمة.

استخدمت لأول مرة في السودان في تشييد هذا البيت مكابس عملاقة تعمل بالديزل ذات ضغط عالي جدا. تنتج مكعبات أشكالها شديدة الانتظام أسطحها بالغة النعومة. شبيه بأنواع المكعبات الأخرى التي أشرنا لها في التجارب السابقة التي تضاف لخلطتها نسبة ضئيلة من الإسمنت. الفرق الأساسي هنا هو في شكل المكعبات المختلف عن الأنواع العادية. تتميز عنها بأن في كل جانب من جوانبها أجزاء بارزة و منخفضة. التي تؤمن تداخلاً قوياً بين المكعبات المتجاورة في جسم الحائط. هي التي تمنحها ميزات تفضيلية عالية القيمة. تجعلها قوية للغاية تنهض لطابقين حاملة معها عروش الخرصانة المسلحة الثقيلة. بالإضافة لمزايا أخرى ذات أثر كبير ناتج عن تداخل المكعبات المتجاورة التي تسد تماما الفراغات بينها. مما يجعل بالإمكان الاستغناء عن المادة الرابطة أو المونة التي تمسك المكعبات مع بعضها البعض. فتحقق بذلك وفورات ملموسة نتيجة للاستغناء عن الإسمنت المستخدم في المونة في أجزاء المبنى فوق سطح الأرض. الميزة المهمة الإضافية لاستخدام المكعبات المتداخلة أنها تسهل و تسرع في عملية البناء. الأهم من ذلك أن عملية التشييد هنا لا تحتاج لعمالة عالية المهارة و هو أمر جدير بالانتباه نسبة للمستوى المتراجع في هذا المجال.

زرت هذا البيت في حي الصالحة الأمدرمانى و وثقت حالته بأفلام وثائقية قصيرة مكتملة الأركان غطت مراحل متعددة من بنائه. تعرفنا في أجزاء منها على تفاصيل طرق أنتاج المكعبات التي يحبذ أن تتم في نفس موقع البناء. قدم الدكتور أحمد القوني في تلك الأفلام إفادات علمية عالية القيمة توضح تبحره في مجال مواد البناء و البدائل المتاحة. بهرني بشكل لافت منظر المبنى بعد اكتماله لدرجة أن المرء لن يصدق أنه مشيد بمكعبات ترابية. التي من فرط جمالها حرص المصمم على الإبقاء عليها بشكلها الطبيعي. اكتفى بدهانها بطلاء شفاف يسمح بغسلها عند اللزوم مع المحافظة على ألوانها الجذابة. بهذا العمل المعماري فائق التميز خطى الدكتور أحمد القوني بعمارة التراب المثبت خطوة مهمة للأمام. وضعها في الطريق الصحيح ومكانتها المرجوة لتصبح بديل ممتاز ينافس الخيارات الأخرى المتاحة في الساحة.

أخذتكم في سياحة سريعة توقفنا فيها في محطات شكلت منعطفات مهمة في مسيرة عمارة التراب المثبت في تاريخ بلادنا الحديث. حسب تتابعها التاريخي الذي بدأ بتجربة مشروع إسكان حي الزهور فتحت. كان مسك ختامه تجربة بيت ذلك الضابط العظيم بضاحية صالحة جنوب أمدرمان. استعراضي لتجربة تلك المشاريع المتميزة التي وظفت فيها عمارة تقنية التراب المثبت كان لهدف محدد. ذو صلة بمأساة عشناها جميعاً بكامل أحاسيسنا حتى من لم يكن منا متأثراً بها بشكل مباشر. الهدف من طرحها كبديل للتعامل مع هذه الكارثة الطبيعية كان الغرض منه النظر إليها بعين فاحصة ناقدة. في محاولة لتقويم جدواها في التعامل مع مثل الكوارث التي تواجهنا الأن. الأمر الذي يستدعى إعادة النظر في تجاربها بكل صراحة بلا مجاملة للجهات البحثية و الزملاء العاملين بها. الغرض من كل ذلك هو محاولة استثمار أفكارها بشكل يجعلها أكثر فعالية و واقعية و جدوى لمخاطبة هذه المأساة الإنسانية.

استحدثت نظم البناء بالتراب المثبت في مراكز بحثية في العالم الغربي قبل فترة طويلة. سبقت مرحلة تبنينا له من قبل الجهات الرسمية التي أشرت إليها هنا التي نحمد لها هذه المبادرة الممتازة. أسس هذا النظام هناك الذي يشار إليها بالتقنية المتوسطة غير المعقدة و مضى في أكثر من مسار. لكن لأسباب غير مقنعة حصرت الجهات البحثية الرسمية و غير الرسمية عندنا نفسها في مسار واحد لم تحيد عنه. قائم على إنتاج و استخدام المكعبات التي أشرت إليها هنا. بالرغم من توفر طرق و خيارات أخرى سلكت مسارات مختلفة حققت نتائج ذات ميزات متعددة. لكننا هنا للأسف الشديد ظللنا أسرى تلك الطريقة التي حبستنا في إطار قوالب تلك المكعبات بالرغم من بعض المأخذ عليها. كما سنوضح ذلك و نحن نستعرض الخيارات الأخرى.

واحد من تلك الطرق التي أعنيها تستغنى عن مكابس المكعبات لتستبدلها بقوالب أو ألواح من الصاج متحركة بسيطة الشكل سهلة التصنيع. تتم العملية باستخدام لوحين متقابلين يربطا متباعدين مع بعضها البعض بمسامير طويلة مؤقته المسافة بينهما يحددها سمك الحائط. ثم يصب الطين المخلوط بنسبة محددة من الإسمنت في المسافة بين اللوحين و يدك جيداً بثقل عادى من أي نوع من الأنواع. يمكن استخدام أليات مبسطة لإنجاز هذه المهمة بشكل أفضل. بعد فترة بعد أن تتماسك الكتلة يحرك القالب ليصب به الجزء المجاور له في الحائط. ثم ترش تلك الأجزاء بعد أن تتماسك نوعاً لاحقا لعدة أيام حتى تكتسب كامل قوتها. لتستمر هذه العملية بهذه الطريقة ببناء أجزاء فوقها تسمى بالأطواف حتى تكتمل عملية تشييد المبنى. ميزة هذه الطريقة أنها تحرر العمارة من الخطوط المستقيمة و الزوايا القائمة التي تحبسها فيها قوالب المكعبات. فألواح الصاج يمكن أن تشكل ليشيد بها مبنى بعض أجزاء من خارطته منحنية أو دائرية. بالإضافة لهذه الخاصية تتميز هذه الطريقة ببساطة المعدات المستخدمة فيها و سرعة عملية تشييد المباني.

ظهرت قبل فترة طويلة طريقة أخرى بسيطة و سريعة لتشييد المباني لا تحتاج لأليات معقدة. يشار إليها حسب اسمها باللغة الإنجليزية بنظام أكياس الرمل (2). تبناها و طورها و روج لها الدكتور نادر خليلي هو عالم أمريكي إيراني الأصول. أسس لها معهداً قائماً بذاته في مدينة كاليفورنيا في الولايات المتحدة. دَرست أفكاره جيداً و قمت بتَدريسها لطلابي و نشرت أخبارها على أكبر نطاق ممكن عبر وسائط الاتصال الجماهيري. أصف نظامها و طريقة تشييد المباني ببساطة بأنها شبيه إلى حد ما بطريقة عمل (السجك). منظرها النهائي قبل تشطيبها يشبه لفة العمة (القلووظ). التي تكون فيها العمامة مبرومة تُلف في شكل أشبه ب(القلووظ). اَشتهرت بها شخصيتين مشهورتين توفاهما الله العالم اللغوي البروفيسور عون الشريف قاسم و الفنان المبدع محمد وردى. تتم عملية البناء بأدوات غاية في البساطة متوفرة إلى حد بعيد حولنا في متناول اليد. أكياس طويلة نحيفة نوعا ما مصنعة من مادة شبيه بالبلاستيك مثل التي تستخدم لتعبئة السكر. يمكن في هذه الحالة تصنيعها بمقاسات محددة لمثل هذه المشاريع. تحتاج عملية التشييد أيضاً للفات من السلك الشائك من النوع العادي. بالإضافة لأي نوع من أنواع الثقل مثل عجل حديد متوسط الحجم تلحم به ماسورة لتستخدم كمقبض. هذه هي المعدات المطلوبة لتشييد حيطان المبنى.

تنافس طريقة تشييد عمارة أكياس الرمل نوعية معداتها و أدواتها من حيث البساطة و هذه بالطبع أخبار سعيدة جدا. تبدأ العملية بتجهيز و مزج خلطة الرمل المضاف إليه قليل من الإسمنت بشكل جيد. ثم يجهز جزء من لفة الكيس الطويل بطول متر و نصف أو مترين. الذي يوضع في مكانه في جسم الحائط بعد أن يلف بالسلك الشائك ليمنع تدحرجه. ليكون جاهزاً لتعبئته بخلطة التراب و الإسمنت. تستمر هذه العملية على نفس المنوال في جسم الحائط حول المبنى في حالة شبيه بلفة العمة (القلووظ). تضيق الدائرة كلما ارتفع المبنى حتى تقفل تماماً في أعلى جزء لتصبح هي العرش المنحدر. هذا ما كان من أمر حيطان المبنى الرئيسة. أما الفتحات بأنواعها المتعددة فيستخدم لها كيس طويل يحل محل العتب في الجزء الأعلى منها. يعبأ بنفس تلك الخلطة ليوضع فوقها بشكل مقوس و يُسند هناك و يُرش بالماء حتى يكتسب قوته. لتستمر المباني فوقه في الجزء الأعلى من المبنى. المهم أن ترش كل الأجزاء التي تكتمل من المبنى لعدة أيام حتى تكتسب كامل قوتها. بعد ذلك تشطب الحيطان من الخارج و الداخل و تُبيض كما يحدث في حالة المباني العادية. التي تبدو بعد اكتمال المبنى في أبهى صورة.

ركز الدكتور جليلي على المباني دائرية الخارطة لسبب وجيه. فهي الأكثر متانة لأن التصدع في المباني يحدث دائماً في الأركان و الخارطة الدائرية ليست لها أركان. يمكن تطبيق هذا النظام بثقة كاملة على مباني مربعة أو مستطيلة الخارطة لأنه ينتج مباني قوية متينة إذا نفذت بالطريقة الصحيحة. روجت لهذه التقنية و رَشحتها بإصرار في العقد الأول من الألفية لإقليم دار فور. الذي كان و لا زالت تنتظره عمليات إعادة توطين كبيرة للغاية أصبحت أكثر إلحاحاً بعد إبرام اتفاقيات السلام. منطقي هنا مؤسس على حقائق أساسية فهذا النظام هو الأنسب لسببين أساسيين. لأن أهم مهددين لحياة الناس و مبانيهم زمانئذٍ كانا النار و ضرب النار. أكياس الرمل تقوم بحمايتهم على أكمل وجه في كلا الحالتين. بالإضافة للمزاياً الأخرى التي ذكرتها من قبل مثل سرعة تشييد المباني التي لا تحتاج لمعدات خاصة و مهارات عالية. كان معهد دكتور خليلي قد أرسل مجموعة للتبشير بهذا النظام و تنفيذ مشروعات في دار فور في العقد الأول من الألفية. لكن جهات من نظام الإنقاذ تخوفت من تأثيراتهم السياسية فأجهضت مهمتهم و أبعدتهم من البلاد. نحن الأن في حوجه لمثل هذه المجموعات. لتنشر المعرفة بين السكان المحليين و تدربهم و تملكهم الأدوات البسيطة المطلوبة للتعامل مع هذه التقنية. ليقوموا بتشييد مبانيهم فهم يمثلون القوة الضاربة في هذا المجال في شتى أنحاء السودان.

أن الأوان الأن في هذه المقالة لتقويم أعمال و منجزات الجهات البحثية و التنفيذية الرسمية التي لم تالو جهداً. إذ استمرت تعمل بهمة لعقود متتابعة من الزمان جزاهم الله عنها ألف خير. لكن عملهم لازمه قصور هنا و هناك لا بد من الِإشارة إليه حتى نجني ثمار تلك الإنجازات على أكمل وجه. بالذات نحن الأن مواجهين بتحديات جسام. من أهمها و أكثرها إلحاحاً إعادة أسكان و توطين الألاف الذين شردتهم كارثة الفيضانات الأخيرة. سأوجه سهام نقدي بالتحديد لمن عملوا في مجال تطوير عمارة التراب أو الطين موضوعنا الأساسي هنا. لاحظت أنهم طوال الوقت من خلال جيلين من الباحثين العاملين في هذا المجال ركزوا فقط على نظام المكعبات. متجاهلين خيارات أخرى أثبتت جدواها. فحبسوا هذه التقنية و حبسونا معها في قالب تلك المكعبات. لا بل أن جهات رسمية عرقلت عمل مجموعات أجنبية أرادت أن تمضي في مسارات أخرى مثمرة أشرت لها هنا. 

المشكلة في هذه الحالة أن نظام المكعبات مع إيماننا بعظيم جدواه يحتاج لمعدات و آليات معينة قد لا تكون متوفرة دائماً. بالإضافة إلى أن عملية تشييدها تحتاج لكثير من الوقت. من المآخذ عليها أيضاً أن هذه الطريقة أنها تحتاج لبنائين مهرة للغاية و ما أندرهم في هذا الزمان. ما أشرنا إليه هنا يعتبر من نقاط ضعف نظام البناء بالمكعبات إذا قارناه بالخيارات المتاحة الأخرى. بالذات إذا أخذنا في الاعتبار الحاجة الملحة لعمليات بناء بحجم كبير جداً لنجدة الألاف الذين ينتظرون في الخيام و العراء. يبقى في هذه الحالة نظام التراب المثبت بألواح الصاج هو الخيار الأنسب. فاحتياجاته من حيث الأليات محدودة يمكن توفيرها بسهولة. بالإضافة لان تنفيذ العمل لتشييد المباني لا يحتاج لمهارات عالية و وقت طويل. يمكن أيضاً بإشراف جهات عليمة بهذه المسائل تبنى فكرة أكياس الرمل. الذي يمكن أن يستبدل فيه الرمل بأنواع أخرى من التراب تخضع للاختبارات المعملية المطلوبة.

واحد من أهم مأخذي على عمل تلك المراكز البحثية انغلاقها على نفسها. مع أنها تعمل في أنواع بناء مثل عمارة التراب المثبت التي تستهدف شرائح عريضة من ذوي الدخول المتدنية. للأسف الشديد قل إن تجد عمل أعلامي يغطى إنجازاتهم المبهرة. لن تجد كثير أثر لكتيبات أو نشرات مبسطة تروج لتلك الأفكار الجديدة. تشجع على تعاون مثمر مع من يرغبون في خدماتهم. لماذا لا تخصص تلك المراكز جزء من ميزانيات بحوثها لهذا الغرض. الوضع هنا يشعرك أنهم يعيشون في أبراج عاجية يعملون بمبدأ العارف عزو مستريح. أقول قولي هذا و أنا قريب منهم أعرف محدودية الميزانيات المخصصة لتلك البحوث. لكن توجد دائماً طرق لتحقيق تلك الأهداف الإعلامية نبيلة المقاصد.

لي ملاحظة على الندوات المحاضرات و المؤتمرات التي تقيمها تلك المراكز عن مواضيع مثل التي طرحتها هنا على ندرتها. التي تنظم عادة في أماكن بعيدة عن عامة الناس، قاعات مكيفة سعاتها محدودة العدد و فنادق الخمسة نجوم. تطرح فيها المواضيع باللغة الإنجليزية أو بلغة عربية بأسلوب علمي للغاية يصعب على عامة الناس تفهم ما يرد فيها من معلومات. تشعرك هذه الحالات دائماً بأنك في حضرة علماء يخاطبون علماء. سينتابك إحساس بأن عدد مقدر من المساهمين فيها دافعه الأساسي إضافة ورقة علمية تساهم في ترقيتهم هو في حد ذاته هدف نبيل مشروع. لكنه يبقى محدود الفائدة بالنسبة للألاف المتشوقين لمعرفة المستجدات في هذه المجالات العلمية تطبيقية الطابع. إذ أن عدد كبير من الناس مستعد لتبنى طرق البناء المستحدثة التي تطرحها المراكز البحثية لتحقيق أحلامه في تشييد منزله. نشهد لطلاب كليات الهندسة الأماجد دورهم الملموس في الترويج لنتائج البحوث في هذه المجالات. من خلال أنشطتهم السنوية الراتبة المفتوحة لكافة شرائح المجتمع.

أليت على نفسي و اجتهدت منذ عدة عقود من الزمان في القيام بجهد الإعلامي كرسته للشأن المعماري. ابتدرته في نهاية السبعينيات بمقالات في مجلة الخرطوم و صفحة كنت أحررها في صحيفة الصحافة التي كانت الأوسع انتشاراً زمانئذٍ. واصلت مسيرتي بنفس الهمة بعد عودتي من البعثة الدراسية في نهاية الثمانينات. كان لي نشاط مكثف في مجال الإذاعة خلال فترة نهاية القرن الماضي و بداية الألفية. في العقد الأول منها اقتحمت مجال الصحافة في جهد توجته بصفحة أسبوعية كاملة بالألوان في صحيفة السوداني. لاقت استقبالا و تجاوباً رائعاً طوال فترة صدورها التي استمرت لتسعة أشهر. ليوقفها رئيس التحرير في تصرف غير لائق بكل المقاييس الصحفية. إنجازي الكبير الذي أعتز به كان في العقد الأول من الألفية من خلال فقرة أسبوعية في برنامج بيتنا في التلفزيون القومي. أنتجت و قدمت فيها أفلام توثيقية قصيرة غطت عدد من أنواع العمارة متعدد المواد. أوليت فيها اهتماماً خاصاً و غطيت تجارب مهمة شكلت مراحل مفصلية في مسيرة عمارة التراب المثبت. ستجدون العديد من نتائج هذا الكسب الإعلامي المتنوع الذي أعتز به ضمن مواد موقعي الإلكتروني عبر الرابط- drhashimk.com. قدمت كل ذلك الجهد بدوافع شخصية بدون دعم من أي جهة رسمية. قمت به بلا من أو أذى بالإنابة عن مراكز البحوث و الصندوق القومي للإسكان و جمعية المعماريين السودانيين.

واحد من مأخذي الأساسية على مشاريع تلك الجهات البحثية حكومية كانت أم خاصة أنها لم تختار أهدافها بعناية. أشير بالتحديد هنا لأعمالها في مجال عمارة التراب المثبت موضوع هذه المقالة الأساسي. إذ أنها لم تختار مشاريع تخاطب جذور مشكلة السكن بالنسبة للشرائح العريضة في المجتمع من ذوي الدخول المنخفضة. أبلغ مثال الثلاثة تجارب الممتازة التي أشرت إليها هنا نفذت في فترة الحكم الوطني بعد الاستقلال. الحالة الوحيدة التي خاطبت فيها هذه المشكلة لم تستهدف تلك الشرائح العريضة لأنها كانت خاصة بضابط عظيم خارج هذا الإطار. في هذا السياق يجب أن نرفع القبعة للمستعمر البغيض الذي اقتحم هذا المجال في أربعينيات القرن الماضي. فدشن زمانئذٍ مسيرة عمارة البناء بالتراب المثبت التي قدمت من خلالها نموذجا للمسكن قليل التكلفة. لكن يجب أن نشير لجهات حكومية قامت ببعض المجهودات المقدرة. نفذت بعض مشاريع لجهات نظامية في منطقة جنوب مدينة أمدرمان نحتاج لدراستها بعناية. للأسف الشديد في هذا السياق تعرفت على مشروع إسكاني صغير استخدمت فيه تقنية التراب المثبت في العقد الأول من الألفية. نفذ في منطقة في أقصى غرب مدينة أمدرمان كانت نتائجه كارثية نتيجة لأخطاء أساسية في مراحل التشييد. فقدم صورة مشوه مهزوزة لهذه التقنية ستكون أثارها غير محمودة.

هذه السياحة الطويلة و العدد المقدر من الصفحات كان لا بد منها كمقدمة لكي أصل لجوهر موضوع مقالتي. أطرحه هنا في شكل حلول مقترحة لمخاطبة الوضع المتأزم الناتج عن كارثة الفيضانات الأخيرة. ألذى أوضح بجلاء كما هو الحال دائماً عدم انتفاعنا بشكل مؤثر بنتائج ذلك الكم المتراكم من البحوث و التجارب القيمة. تعكسه هنا بالتحديد حالة مجال تقنية عمارة التراب المثبت. أشرت من قبل أن واحد من أهم أسبابها هو انغلاق مراكز البحوث على نفسها. المتجسد أيضاً في حصر نفسها في طريقة واحدة هي نظام المكعبات. بالرغم من توفر خيارات أخرى و بعض المستجدات المثمرة أشرنا إليها من قبل. واحد من مظاهر هذا الانغلاق هو التعتيم على مخرجات بحوثها و تجاربها. التي لم تسعى لصياغتها في لغة سهلة مبسطة و نشرها على أوسع نطاق حتى تتاح و تعم الفائدة على الجميع. يعتبر هذا الأمر من صميم واجباتها تجاه أهلهم. الذين ساهموا بسخاء بالضرائب التي سدودها عير السنين لتمويل بعثاتهم الدراسية في أميز الجامعات الغربية.

واحد من المشاكل التي نعانى منها في مجال البحث العلمي التي أدت لمحدودية انتشار فوائده هي حالة المركزية الحادة التي نعانى منها. فمركز الثقل و الإشعاع محصور في العاصمة و إلى حد كبير في جهتين بحثتين أساسيتين. ذلك المركز التابع للمجلس القومي للبحوث و معهد بحوث البناء و الطرق التابع لجامعة الخرطوم. نكاد نستبعد هنا للأسف جهات مهمة لم تثبت لنا دوراً مؤثراً في هذا المجال. من ضمنها للأسف الشديد الصندوق القومي للإسكان و التعمير. هناك حاجة ملحة لكسر هذا الاحتكار بإنشاء مراكز ولائية. تتبع في الولايات لجهات معنية بهذا الشأن مثل الوزارات و كليات الجامعات و صناديق الإسكان و التعمير إن وجدت. التي يمكن أن تُؤسس في البدء برعاية الجهات المركزية في الخرطوم. بذلك نؤسس لما يمكن أن نسميه ونستلف هذا المصطلح من مجالات أخرى تعبير تقصير الظل البحثي. تلك المراكز الولائية ستكون في وضع أحسن لمخاطبة و التعامل مع مشاكلها المحلية. سأفصل هنا رؤيتي في شكل مقترحات محددة أملا في أن تجد القبول و التجاوب المنشود.             

إذا تكونت تلك الأجسام الولائية ستصبح في وضع جيد للتعامل مع أمر عمارة التراب المثبت بشكل يتلاءم مع حالة كل واحدة منها. سأسوق بعض الأمثلة أشرت لبعضها من قبل. على سبيل المثال ستكون عمارة أكياس الرمل ملائمة جداً للأجزاء الشمالية من إقليمي كردفان و دارفور. نسبة مساحات الرمال متمددة في كافة أنحائها. هذه الطريقة مناسبة جداً لحالتهم لأنها لا تحتاج لمعدات و أليات خاصة و مهارات عالية. أعتقد أن أشكال عمارة دكتور خليلي ستجد هوى في نفوس أهل تلك الأقاليم. لأنها تشبه العشش أو (القطاطى) التي ارتبطوا بها وجدانياً لدهور عديدة و هو امر لا يمكن تجاهله. الجميل في هذه الطريقة أنها لا تنتج أشكالاً بالغة الانتظامية. مما يضفي على عمارتها أجواء من التلقائية و العفوية التي قد تقربها أكثر لأنفسهم. الجانب المهم في أفكار الدكتور أن الوحدات المتعددة يمكن تجميعها بعدة طرق لكي تُكون وحدة منزلية واحدة. هذه المرونة تجعلها ملائمة تماماً بحيث تستجيب لمتطلبات كل واحدة من القبائل المتعددة في تلك الأقاليم التي تتنوع تصاميم بيوتهم. 

من جهة أخرى أرشح عمارة قوالب الصاج بِأشكالها المكعبة لأهلنا النيليين في أواسط و شمال السودان. فهي تشبه مبانيهم التقليدية التي تقطر حميمية و دفء و تربطهم بها عواطف تاريخية جياشة. إذا سرنا بها لأقصى الشمال لأرض النوبيين التاريخية يمكن بروح ابتكارية عالية أن نفعل بها العجب العجاب. أطلعني واحد من أبناء أسرتنا النابهين الذي درس الهندسة المدنية بالسويد و تخصص في عمارة التراب المثبت على معلومات هامة عنها. أفادني بأننا إذا عالجنا أسطح قوالب الصاج الداخلية بطريقة معينة يمكن أن نطبع على أسطح الحيطان ما نشاء من أشكال. إذا فعلنا ذلك سنجعل واجهات بيوت النوبيين المشيدة بالتراب المثبت تضج بالرسومات و الكتابات استجابة لمزاجهم الخاص. مكون أخر من مخرجات البحوث يمكن أن يقترب من ملامح بيوت النوبيين تحديدا المجموعات التي كانت تقيم في جنوب مصر. الذين كان عروش بيوتهم على شكل قبو أو نصف برميل مشيد بوحدات من الطوب الطيني. مخرجات البحوث ستهديهم بديل عصري سهل و سريع التنفيذ هو عرش الإسمنت الحديدي الذي أشرنا له من قبل. بذلك نقدم خدمة عظيمة لأهلنا النوبيين الذين يحنون للعودة لديارهم مرة أخرى. عمارة حديثة مؤسسة على أخر مخرجات البحوث تحمل سمات ملامح تراثها المجيد.

ما أشرت إليه هنا هي مجرد أمثلة منتقاة التي بالإمكان توسعة إطار أفكارها من خلال بعض الرؤى الإبداعية. المستندة على فهم عميق لحالة كل مجموعاتنا الثقافية و القبلية سودانية يستوعب و يستثمر بحساسية فائقة في مستجدات البحوث الرائعة. بهذه الطريقة نكون قد ملكنا أهلنا الطيبين في كافة أنحاء البلاد أخر ثمرات تلك الاختراقات العلمية في مجال العمارة بدون أن نحدث ما يعرف بالصدمة الحضارية. المضي قدماً في هذا الدرب الطويل لتحقيق هذه الأهداف النبيلة يستدعى في البدء القيام بخطوات استباقية مهمة. تستدعى الذهاب إلى أخر الشوط للتخلص من نهج المركزية البغيض. الذي تسبب في الفجوة العميقة بين الباحثين المجدين في مراكزهم و بين الألاف من المتطلعين و الملهوفين لمخرجات بحوثهم. يجب أن نمضي خطوات إضافية في هذا الدرب تتجاوز مرحلة الولايات. نحتاج لإنزالها لمستوى المحليات و ما هي أقل في سلم ذلك التدرج الهرمي. فلننزل بها لكل فئة محتاجة حتى لو كانت في قرية صغيرة. نجاح هذا العمل الإنساني و الأهداف النبيلة يحتاج لتخطيط علمي سليم حتى يأتي أكله على أكمل وجه.

في البدء يجب أن نعرف أن التعامل مع مثل التقنية الوسيطة مثل نظام البناء بالتراب المثبت المشار إليها هنا لا يتم فقط بصدق النوايا. هناك متطلبات أساسية يجب أن تتوفر و ألا كانت النتائج كارثية مما سيكون له أثر سلبي سيي سيفقد الناس ثقتهم فيها. في البدء يجب أن يتم التأكد بشكل علمي سليم من نوعية التراب الذي سيستخدم و يخلط بتلك النسبة الضئيلة من الإسمنت. عملية يجب أن تخضع لفحوصات معملية تتم في معمل معتمد تماماً كما نفعل مع بعض الحالات المرضية. الحصول على النتائج الدقيقة سيفتح المجال لعمل كبير متواصل مؤسس على أساس علمي سليم. يحتاج أيضاً لخطوات محددة بعد الانتهاء من تشييد المبنى حسب الخطوات الواجب إتباعها مثل رشه بطريقة معينة لعدة أيام. التعامل مع أنواع هذه التقنية الوسيطة سواء أن كانت مباني من التراب المثبت أو عروش الإسمنت الحديدي يحتاج لمتطلبات أساسية. مواد بمواصفات دقيقة و نسب محددة. بالإضافة لمعدات و أدوات أنواعها في أغلب الحالات بسيطة متوفرة بسهولة. بالإضافة إلى ذلك يجب أن يتم العمل بإشراف أشخاص ملمين بهذه العمليات. نسبة لبساطة هذه التقنية يمكن إخضاع مجموعات محلية لدورات تدريبية تسمح لهم بالقيام بهذه الأدوار بنجاح.

المشكلة في الوقت الحاضر أن حجم كارثة الفيضانات فوق التصور. التعامل معها يحتاج لخطوات كبيرة و عاجلة وفق استراتيجيات مبتكرة غير تقليدية توظف ما توفر من دعم بطريقة فعالة. لحسن الحظ هناك عوامل تخفف من وقعها. من أهمها روح التكافل العالية التي يتسم بها جل أهل السودان التي نلمسها في ظاهرة النفير. الذي يتجسد في حالات تهب فيها الجماعة بأكملها لمؤازرة بعض أعضائها و مد يد العون لهم و قضاء حوائجهم. في هذا الإطار لفتت نظري ظاهرة حميدة تفشت في الأحياء. تمثلت في توفير مجتمعاتها لعدد من مستلزمات مناسبات الأفراح و المأتم. مثل الخيمة أو السرادق و الكراسي و الطاولات حتى المغاسل. التي يهب شباب الحي لتجهيزها بهمة عند اللزوم. هذه الظواهر من روح التكافل و التكاتف العالية تعتبر مؤشرات مهمة.  تدل على احتمالات نجاح تبنى تلك المجتمعات لبعض نظم البناء بالتراب المثبت. إذا أخذنا في الاعتبار نظام ألواح الصاج فإمكانهم توفير و امتلاك المعدات و الأدوات البسيطة المطلوبة للعمل. بنفس الطريقة يمكن تدريب فريقاً منها للقيام بالأشراف على العمل. الذي سيضطلع به بنفس روح التكاتف فتية الحي أو القرية بالتناوب. يبقى هنا على الجهات الرسمية إعانتهم بتدريب بعض الكوادر و فحوصات التربة و مدهم بالإسمنت. بهذا الطريقة يمكن إنجاز الكثير في هذا المجال.

هذا النموذج يمكن أن يتكرر في أقاليم أخرى موظفا في بعضها تقنية أكياس الرمل. لأنها أيضاً تتميز ببساطة و تَوفر الأدوات المطلوبة و سهولة طرق التشييد. إنجاز تلك المشاريع بنجاح لدرء الكوارث سيكون بمثابة إعلان و ترويج مجاني لهذه التقنيات بسيطة الطابع. سيتحقق لها تدريجيا الانتشار حتى تصبح نظاماً يعتد به. في مثل هذه الحالات سيصبح استلاف تلك المعدات عرفاً متبعاً تماما كما يحدث بالنسبة لأدوات الحفر و الكفن في حالة الوفاة. يحدوني أمل كبير في الوقت الراهن في نجاح مثل هذه التوجهات. لأني ألمس روح جديدة مبشرة بخير وفير على مستوى لجان الأحياء. بناءً على ما يحدث في حينا أرى نوعية ممتازة من الشباب الواعي المستنير يتصدى بحماس دافق لمشاكل أحيائهم. أرى أن تتمدد دوائر اهتمامهم لتتجاوز دائرة توفير الخبز و غاز الطبخ. لتغطى مجالات مثل تعمير مباني عامة في أحيائهم مستثمرة في نظم تقنية البناء الوسيطة البسيطة التي أشرت إليها هنا. بذلك تنشر الوعي بها وتسدى للجميع خدمات عظيمة.

أي مأساة مهما كبرت و عظمت أثارها الأليمة تقدم لنا في النهاية دروساً مفيدة يجب محاولة دراستها بعمق. يجب اغتنام فرصتها ا لمراجعة كافة الجوانب المتعلقة بمثل هذه الماسي. على سبيل المثال أشرت من قبل للفجوة الكبيرة بين الباحثين المجدين في مجالات مثل تقنيات التراب المثبت. التي تباعد بينهم و بين الألاف ممن يتحرقون شوقاً للانتفاع بمخرجاتهم القيمة.  التي يجب أن نعمل بشتى الطرق على تجسيرها. هنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني و أشير تحديداً لدور الشباب المرتجى. ليحولوا الطاقات التي وظفت من قبل المتاريس ففجرت ثورة عظيمة و حركة تغيير كبيرة. التي نأمل في أن يترجموها في عمل مثمر يساهم في إغاثة منكوبي السيول و الفيضانات. في سياق مساهماتهم المؤثرة التي قدمت خدمات جليلة مشهودة أشير هنا كمثال لمجموعة شارع الحوادث. هناك بالطبع منظمات عديدة تعمل خارج إطار تلك الفئة العمرية. لكن قياساً بمردودها الفعلي على الأرض تشعر بأن هم بعضها الأساسي يركز على تواجدهم الإعلامي بدون اهتمام بعواقبه المثمرة. الذين يركزون على اختيار اسم المنظمة أكثر من شرح أهدافها و التنوير الكافي بها. تحيرني واحدة منها تستهدف نظرياً البسطاء و الفقراء من أهل بلادي. اختارت لها اسماً باللغة الإنجليزية مما يعطيك إحساساً بأنها تغازل الجهات الأجنبية و هو أسلوب غير مقبول. في النهاية الأمل معقود بشكل كبير و أساسي على الشباب. مع أهمية استئناسهم في بعض الحالات بآراء الحكماء خارج هذا الإطار العمري.

أشير هنا لبعض فوائد مأساة الفيضانات الأليمة التي مسحت قرى بأكملها من الوجود. فهي تمنحنا فرصة لمراجعة تلك الأنماط المتكررة للتخطيط العمراني. التي درج المخططون على استنساخها و تطبيقها على كافة أرجاء بلادي. بدون أي اعتبار للتباين الثقافي و المجتمعي بين المجموعات السودانية. أو تفاعل مع هذه اللوحة فسيفسائية الفريدة في نوعها. المتجسدة بوضوح في اختلافات جوهرية في تخطيط مستوطنات أهله التقليدية. لا أمل في أي تغيير مرتجى لأن الشباب من المخططين يحفظون نصوصاً عن ظهر قلب و خرائط مكررة. لقنها لهم أساتذتهم الذين رضعوا من ثدي الفكر العلماني الذي أفرز أنماط غربية مقدسة. أسف لهذه النظرة المتشائمة التي تعكس الواقع المعاش.

أنتقل لألقى نظرة على الشق المعماري من عملية التعامل مع إسكان من شردتهم السيول و الفيضانات. أرجو أيضا بالرغم أنه لا يحدوني كبير امل. أننا عندما نوظف تقنية التراب المثبت في عمارة بيوتهم أن نستلهم تصاميمها من واقع حياتهم و ثقافتهم المحلية. يجب ألا يفهم من ذلك بأنه يُسمح في هذه الحالة باستلاف نماذج من مجموعات تقليدية أخرى. لأن التجارب أثبتت من قبل عدم جدوى مثل هذا التوجه كما أشرت لذلك في بداية مقالتي. من المؤسف حقاً أن هناك حاجز نفسي متجذر يمنع المعماريين من تنكب هذا الدرب المتعاطف مع ثقافة الناس المحلية. الذي يجعل المعماري من منطلق نظرة متعالية يشعر بثقة مفرطة بأنه هو الأدري بشئونهم و الأقدر على التعامل معها. وفق ما تلقاه من علوم متقدمة نابعة من الفكر العلماني. الصورة بالنسبة لي قاتمة في مجملها على مستوى التخطيط العمراني و العمارة. لا تبشر بكثير أمل في تغيير مهم مرتجى. الخروج من هذا المأزق يكون بالخروج من بيت طاعة هذا الفكر. باللجوء لمرتكزات فكرية أقرب للإنسان و خصوصية و تميز مجتمعه و ثقافته. التي نجدها في رحاب أفاق فلسفية مثل الظاهرية و البنيوية. الكثير مما أشرت إليه هنا ضمنته في ورقة علمية ضافية شافية. نشرت في دورية لمعهد دراسات السلام بجامعة الخرطوم. عنوانها-سياسات الإسكان الرسمية: دعوة لاستيعاب الثقافات المحلية. تجدونها في موقعي الإلكتروني الوصول إليه عبر الرابط- .drhashimk.com

ترجمات:

(stabilized earth architecture (1

  Sand bags architecture (2)

البروفيسور مشارك دكتور معماري/ هاشم خليفة محجوب

أمدرمان-أكتوبر 2020

Comment 1

  1. دائما أحاسيسك تأتي من جوفك تحمل في طياتها هموم وطنك الشامخ
    باسم المنتظرين لك الشكر أستاذنا السخي د هاشم
    ولك التجلة من تلميذك د أزهري أبو الريش

    Reply

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.