مساهماتى المعمارية
إنغماسى فى مجال التدريس و تفرغى الكامل له جاء خصماً على مجال آخر لم أعطيه وقته بالقدر اللازم و هو مجال الممارسة المعمارية. عليه، لم تمكننى الظروف من تأسيس مكتبى الإستشارى. لكن كل ذلك لم يمنعنى من تقديم عطاء لا بأس به بالذات من حيث النوعية و ليس الكمية. تفانيت و بذلت قصارى و حاولت أن أسكب كل أفكارى و أترجم فكرى و رؤيتى الفلسفية فى شكل مشاريع معمارية
برج شركة التامين الإسلامية
أعتز كثيراً بأول مشاريعى بقسم العمارة بوزارة الأشغال خلال نهاية الستينات وبداية السيعينات. على وجه الخصوص مبنى مركز (حاج الصافى) الصحى على شارع المعونة بضاحية الصافية بالخرطوم بحرى. تمت إزالته قبل عدة سنوات و شيد فى مكانه مبنى متعدد الطوابق
فترة السبيعنات كانت خصبة بالنسبة لى فى مجال الممارسة المعمارية. فقد أتيحت لى الفرصة التى تمددت حتى عقد الثمانينات بالعمل كمساعد فى البدء و كشريك لاحقاً لعدد من أساتذتنا الكبار مثل عبد المنعم مصطفى و محمد حمدى و عبد الله صبار. قربى الشديد من هذه القامات زمانئذ ساعدنى كثيراً فى التوثيق مسيرتهم بكل تفاصيلها
مساهمتى فى نهاية السبيعينات فى تصميم مشروع (مسجد النيلين) مع المصمم الأساسى الأخ (قمر الدولة عبد القادر) شكلت محطة بالغة الأهمية فى مسيرتى المعمارية. عوامل عديدة ميزت هذا العمل، منها قوميته و رعاية و إهتمام الرئيس (نميرى) الخاص به. طابعه الإسلامى التجديدى هو أيضاً واحد من أسباب تميزه. و أعتقد أننا و بقيادة المصمم الأساسى قد قدمنا طرحاً يستحق الإلتفات إليه
كنت بعد فى تلك المرحلة فى سنواتى المهنية الباكرة قدمت مشاريع كبيرة أعتز بها بحق عند منعطف القرنين و بداية الألفية الثالثة. كان واحد من أهمها برج (شركة التامين الإسلامية). مبنى من إحدى عشر طابق بموقع مفتاحى مطل على شارع (على عبد اللطيف) بمنطقة الخرطوم غرب. عمل محفوف بالتحديات حاولت فيه جهد طاقتى أن أتعامل مع الإرث الإسلامى بنهج إبتكارى ينأى عن النقل الحرفى و يستعيض عنه بالإيماءات. بالرغم من حسن تعامل و تفهم إدارة الشركة لعملى إلا أن النهايات لم تكن سعيدة تماماً. ظروف قاهرة حادت بمظهر الشكل النهائى الذى يظهر بلوحات نظام (الآرشكاد) المضمنة فى أرشيف هذا الموقع
ثمة مشروع آخر متعدد الأجزاء و متوسط الحجم و لا يقل أهمية بالنسبة لى قمت بتصميمه و تم تشييده فى تلك الفترة. هو إمتداد يشكل المرحلة الثانية لمركز النفط الفنى التابع لشركة (سودابت) المطل على شارع أفريقيا قبالة مطار الخرطوم. حاولت أن أجعل عمارته متسقة مع المرحلة الأولى. بذلت مجهودات كبيرة فى ضخ بعض الأفكار الجديدة فى كافة أنحاء و أرجاء المشروع الذى نفذ جزئياً و يبقى الحكم عليه فى النهاية متروك للآخريين و تحديداً من أعتد برائيهم.
قبل عدة سنوات جمعتنى أقدار العمل المعمارى مرة آخرى بعد أربعة عقود من الزمان مع رفيقى دربى و عمرى المعمارى المرموق قمر الدولة عبد القادر. إذ كلفنا معتمد مدينتنا الفاضلة- أمدرمان بتصميم مجمع مكتبتها المركزية التى يفترض أن تكون واحد من أهم معالمها. خصصت للمشروع قطعة أرض مثلثة الشكل بموقع مفتاحى بالغ التمييز ليس ببعيد عن مدخل المدينة و مواجهه لمبنى البرلمان و مجمع مسجد النيلين
عقدنا العزم على أن يكون التصميم فى مجمله و بكل تفاصيله معبر تماماً عن مدينة تأريخية ذات عبق خاص. بالإضافة إلى ذلك، إرتينا أن ننهج نهجاً جديداً مختلفاً يجعل هذه المؤسسة الثقافية الفكرية قريبة لكل شرائح المجتمع و على وجه الخصوص الشباب و الطلاب و التلاميذ. سعينا لكسر ذلك الحاجز النفسى و تحطيم الأبراج العاجية المصطنعة
سعينا لتحقيق تلك الأهداف السامية من خلال تخطيط الموقع و تصميم الطابق الأرضى بكامله بما فى ذلك الجزء الواقع تحت المبنى الرئيس. لقد حز فى نفسنا إندياح أبنائنا الطلاب و هم يبحثون لهم عن مؤطى قدم فى الحدائق العامة ضعيفة التهيئة فى موسم الإمتحانات. فرأينا أن نخطط و نصمم لهم بيئة تلبى كل إحتياجاتهم عبر عدد من المرافق المفتوحة و شبه المفتوحة و المغلقة المعدة بكافة أنواع خدمات أنشطة الإستذكار. وفق ترتيبات تصميمية تسمح بجعل أبوابها مفتوحة طوال ساعات اليوم و أيام السنة. بذلك يصبح بالإمكان كسر الحاجز النفسى و الفعلى بين المكتبات العامة و كافة شرائح المجتمع و بشكل يجعل فضاءاتها الخارجية كآنها إمتداداً لبيوتهم
عمل رئع ….الى الامام دوما يامبدعي بلادي بارك الله في اعماركم