معماريون أماجد يقدمون رجال أعمال اقليمين متميزين لمجتمع العاصمة
مولع أنا من واقع تخصصي بجوانب معينة من العمارة من أهمها ظاهرة التحولات الثقافو-مجتمعية socio-cultural changes .التي بالرغم من تأثيرها الملموس لا تجد قدرها المستحق من الاهتمام. نتيجة متوقعة ناتجة عن قصور في التعامل معها بروح مسئولية مقبولة في مناهج تدريس العمارة. موقف أعتقد أنه كان متعمداً من الأساتذة البريطانيين الذين أعدوها في خمسينات القرن الماضي. لأن الإشارة لمثل هذه المواضيع في المقررات ما كان سيكون في صالحهم. إذ أنه يتعارض مع المفاهيم التي روجوا لها في فترة احتلالهم لبلادنا في النصف الأول من القرن الماضي. لأن مثل المواضيع المشار إليها هنا تتطرق لمفاهيم حساسة غير مستحبة بالنسبة لهم منها ما هو معني بالهوية. التعامل معها كان سيكون خصماً على رؤيتنا المثالية لهم ولعالمهم الغربي مما دعاهم لتجاهلها في مناهج العمارة. وضع حافظ علية للأسف من جاء بعدهم من الأساتذة الوطنيين باعتبار أن تلك المناهج سفر مقدس لا يجب المساس به. فبقيت على حالها لعدة عقود من الزمان بدون أن تطالها تعديلات أو تطوير أساسي. وضع تفاعلت معه من منطلق تخصصي بشكل إيجابي بعد عودني للتدريس بالجامعة في نهاية الثمانينات. تحركت بهمة عالية فحقنت المقررات بجرعات مكثفة وضعت الوطن بكل أبعاده في قلب الحدث. من خلال مناقشة كافة جوانبه ذات الأبعاد الثقافية والمجتمعية. لم يقتصر جهدي ونشاطي على مدارج العلم في سوح الجامعات. تجاسرت فغزوت عدد من وسائط التواصل الجماهيري أملا في تغطية مساحات شاسعة من أطياف المجتمع. من ضمنها منصات الفيسبوك وأل LinkedIn. هانزا أخاطبكم هنا لنستكشف معاً منعطف مفصلي في مسيرة عمارة الحداثة السودانية. هي تلامس جوانب حساسة من تركيبة مجتمعات حضرية تقليدية الخلفية.
وضع أول لبنات عمارة الحداثة في السودان في نهاية خمسينات القرن الماضي عدد من الأساتذة البريطانيين. الذين أسسوا أول قسم للعمارة في جامعة الخرطوم على فكر ومبادئي هذا الطراز. حمل لواءه من بعدهم أوائل الخريجين من القسم لينضم إليهم لاحقاً بعض ممن درسوا العمارة في الجامعات البريطانية. ليستفرد ذلك الطراز بساحة تسيدتها من قبل طرازات مرتكزة على تراث قطبي نظام الاحتلال السابق بريطانيا ومصر. فمضي طراز الحداثة معززاُ وجوده بشكل تصاعدي في الستينات التي شهدت نهاياتها ملامح نضجه. عملية تمت في عدة مراحل ازدهرت في بدايتها عندما رحب بها تبناها نخب كان يشار إليهم بالإنتلجنسيا. صفوة من المجتمع نالوا قسطاً وافراً من التعليم توجوه بالابتعاث لبلاد الغرب الأوربي الذي صدر لنا مبادئي هذا التوجه المعماري. خلفية جعلتهم يقبلون عليه بهمة مهدت السبيل لطلائع المعماريين ليشكلوا معهم شراكة ذكية أنتجت لنا وروائع من عمارة الحداثة. منحها بعض النوابغ منهم سمات سودانية متميزة جعلتها من أهم مؤشرات الرقي والتحضر. مما جعل العديد ممن هم من خارج هذه الشريحة المجتمعية يتبنونها في عمارة بيوتهم أملا في للتشبه بهم. مجموعة منهم كانت الأكثر حوجه لها هم موضوع اهتمامي في هذه المقالة. رجال أعمال إقليمين ناجحين نقلوا نشاطهم استقروا في العاصمة. فصاروا الأكثر حوجه لتقديم أنفسهم بصورة مشرفة عصرية تليق بمقامهم الرفيع الجديد تستوعب خلفيتهم التقليدية. هدف نبيل مستحق تشكل عمارة بيوتهم واحد من أهم مظاهرة. مهمة محفوفة بالتحديات تصدي لها بنجاح عدد محدود من أميز معمارينا. ليقدموا تجربة بالغة التميز هي موضوع هذه المقالة الرئيس.
قد يستغرب بعضكم لاختياري لموضوع هذه المقالة باعتباره معني بشريحة محدودة من مجتمع العاصمة. شكلت عمارة بيوتهم جزءً صغير من مشهدها الحضري قبل عدة عقود من الزمان. قد يُرد تحفظهم أيضاً إلى أن التعامل مع العمارة هنا يركز على جزئية محدودة منها سكنية الطابع. تحفظات تدعوني لأقدم دفوعات تبرر تركيزي على هذا الموضوع مؤسسة على أسباب متعددة مقنعة للغاية. مبررات دفعتني للتوثيق لحقبة متميزة منعطف مهم للغاية في مسيرة عمارة الحداثة السودانية. مرحلة مفصلية من مراحل انطلاقتها الأولي في الثلث الأخير من القرن الماضي. اهتمامي الخاص بها كان هو الدافع الأساسي لكتابة هذه المقالة. مرحلة شهدت وثقت لتطبيق عمارة الحداثة على شريحة مجتمعية خارج إطار الذين استهدفتهم عند انطلاقتها الأولي. الذين كان جلهم من الصفوة المتعلمين أو الإنتليجنسيا. حالة نجح فيها بتفوق معماريون أماجد من رواد ذلك النهج المعماري. لفتت انتباهي دعتني للتوقف عندها ملياً أوحت لي بموضوع هذه المقالة. جاءت بدايتها في شكل تعاون مثمر بين هؤلاء المعماريين ورجال أعمال حققوا نجاحات باهرة في شتي المجالات في أقاليم السودان. اجتذبتهم العاصمة بنموها المبشر بشكل تصاعدي منذ الخمسينيات القرن الماضي. فبدأت عدة أسر منهم تؤسس لها فيها قواعد تهيئة للعب دورها المرتجى في هذا الزخم الحضاري الحضري. هنا جاء دور بعض رواد عمارة الحداثة الأشاوس الذين لعبوا دوراً مؤثراً في هذه العملية المعقدة. ظاهرة كرست هذه المقالة لتسليط الضوء عليها.
سيكون مدخلي لهذا الموضوع لأسباب موضوعية سيرة ومسيرة الوجيه المرحوم إبراهيم مالك. الذي وضع مواطئي أقدامه في العاصمة في نهاية الخمسينات ليسطع نجمه لاحقاً يصبح من أهم رجال أعمالها. ستقودنا بالضرورة لملاحم ابنه رجل الأعمال الألمعي حسن في رحاب عمارة العاصمة خلال فترة قاربت النصف قرن من الزمان. الذي تميز بالعديد من الخصال منها طاقة إبداعية هائلة وإحساس فني بازخ. رفرف على أجنحة العمارة خلال تلك المرحلة مطرزاً أفاق العاصمة. هذه المقدمة ستقودنا للتعرف على جوانب مهمة لحالة مهد لها إبراهيم مالك وأبنه. كان فارسها راس رمحها أستاذنا المعماري عراب عمارة الحداثة السودانية عبد المنعم مصطفي. الركن الأساسي لكافة إنجازات هذا الثنائي المعمارية. عبر شراكة ذكية ثلاثية الأضلاع قادها حسن مع رفيق دربه وصديق عمره عبد المنعم سنستعرض مراحلها المتعددة لاحقاً. لتحكي لنا تقدم نموذج معبر عن ظاهرة معماريين سودانيين أماجد. ساهموا في تقديم رجال أعمال وفدوا للعاصمة من أقاليم بلادنا خلال حقب تاريخية متعاقبة. موظفين عمارة بيوتهم المتميزة التي قدمتهم لمجتمع العاصمة بشكل مشرف ساهم في مسيرتهم الظافرة. أعمال معمارية مهمة جديرة بالانتباه زاخرة بالمعاني لمن ينجح في فك أسرار شفرتها الثقافو-مجتمعية. حاولت جهد طاقتي أن أستثمر فيها لتسليط الضوء على خبايا هذه الشفرة. اجتهدت من خلالها في لفت النظر لجوانب من عبقرية معماريين نوابغ نجحوا في ترويض عمارة الحداثة غربية المنشأ. طوعوها لتؤام تتوافق مع نمط حياة شريحة رجال أعمال تقليديين وفدوا للعاصمة استقروا فيها مثل إبراهيم مالك.
مدخلي للتأمل في هذه الظواهر المعمارية سيكون في البداية عبر تفحص جوانب من خلفية الثلاثة شخصيات الرئيسة في هذه الحالة. إبراهيم مالك وابنه حسن معهم راس الرمح والمعماري العبقري الذي أنتج ذلك الإبداع المعماري المتدفق أستاذنا عبد المنعم مصطفي. سأبدأ بمن كان هو الأساس مفجر هذا الإبداع من خلال طموحه المتأجج محمولاُ على قدراته المالية المتدفقة المرحوم إبراهيم مالك. فسيرته ومسيرته ملحمة نضالية متصلة بدأت بشكل متواضع نشاط محدود في مجال الزراعة. قاده في فترة الأربعينات والخمسينات لمجال متصل بها غير بعيد عنها. وجد فيه ضالته المنشودة في الارتقاء إلي سلم المجد مع كبار رجال المال والأعمال. مجال الاستثمار في تجارة المحاصيل الذي ذهب به لأهم مراكزه في ولاية كردفان. ليحقق هناك نجاحات مشهودة طموحه جعلته يتطلع لأفاق أرحب في عالم المال والأعمال. رفعت سقف طموحه مما جعله يتوجه في الخمسينات للعاصمة الخرطوم. التي كانت حقبتئذٍ تتأهب للانطلاق مع فجر الاستقلال في كافة مجالات التنمية. فحط رحله فيها بصحبة أسرته متحسساً طريقه في تلك المدينة التي كانت تمر بمرحلة تشكل خلال تلك الفترة المفصلية من تاريخها. كان من أهمها تقسيمها لعدة أحياء حسب مقدرات السكان المالية ومكانتهم المجتمعية. حالة كان لا بد منها لذلك الوافد الجديد أن يبدأ فيها بشكل تدريجي من أول درجات ذلك السلم. بداية لم تمنعه لاحقاً مع تصاعد طموحه المحمول على أجنحة نجاحاته المطردة من الارتقاء إلي أعلي درجاته.
مرت الخرطوم عاصمة حكم الاحتلال البريطاني المصري بعدة مراحل مع مطلع القرن العشرين قبل أن ينتقل إليها إبراهيم مالك. كانت بداياتها بمنطقة محدودة خصصها للمرافق الحكومية وإقامة رعايا دولتي الاحتلال. بالإضافة لدور عدد من الأوربيين والشرق أوسطيين الذين يعملون في التجارة. لم يسمح بالإقامة فيها من السودانيين إلا عدد محدود جداً من كبار التجار في مركز المدينة. استوعبوا تلك المكونات الحضرية لدواعي أمنية في منطقة محددة من عاصمتهم الوليدة. حدودها الجنوبية والجنوب شرقية في شكل قوس في نفس موضع خط السكة حديد الذي يحده النيل الأزرق في الجانب الشمالي. احتياجهم لاحقا لأيادي سودانية عاملة لتعمير عاصمتهم دفعهم لاستيعابهم في أحياء سكنية بعيدة جنوب تلك المنطقة المركزية. بمرور الزمن خلال فترة امتدت من الثلاثينات إلى الخمسينات خططوا في نفس تلك المناطق الجنوبية أحياء سكنية جديدة. سميت الخرطوم واحد والخرطوم أتنين. خصصت لخريجي الجامعات المهنيين الوطنين ورجال الأعمال الأوربيين والشرق أوسطيين. أضيف لتلك مناطق السكنية جديدة بعد الاستقلال منها حي مكتمل الأركان سمي في سياق متصل الخرطوم تلاتة. اختلف عن سابقاته باستيعاب طبقة جديدة من سكانها. رجال أعمال وطنيين وفدوا للعاصمة بعد أن حققوا نجاحات باهرة في شتي أقاليم البلاد. كان منهم محور حديثنا هنا إبراهيم مالك الذي بداء من هناك زحفه المظفر نحو أرقي أحياء العاصمة حقبتئذٍ.
وصل أبراهيم مالك استقر في حي الخرطوم ثلاثة مع أسرته وأبنائه في نهاية الخمسينات. حيث بداء هناك نشاطه التجاري بهمة أملاً في أن يجد له موطئي قدم مع زملائه أميز رجال الأعمال في العاصمة. نجاحاته المبكرة عززت ثقته بنفسه ضاعفت طموحه مما دفعه للبحث عن موطئي قدم مع شخصيات العاصمة المهمة. كان من أهم خطواتها الانتقال لواحد من أحيائها الراقية المعروفة حيث جاءته فرصة فيها فانتهزها بلا تردد. فيلا مترامية الأطراف في شارع داخلي في حي الخرطوم اثنين تتميز بطراز غربي كلاسيكي السمات اشتراها من يوناني غادر البلاد. نقلة مهمة من الخرطوم تلاتة إلى الخرطوم إثنين كانت تعني الكثير. لأنها وضعته مع أميز شخصيات ذلك الزمان من كبار الموظفين وصفوة من رجال الأعمال الأجانب. نقلة مهمه لأحياء المدينة الراقية تزامنت مع تصاعد أسهمه في المجال التجاري الاقتصادي. جاءت في وقت كانت ابنه حسن قد بداء ينفتح على مجتمع العاصمة وأميز شبابها المتعلم المستنير. خطوة مهمة كان لها تأثيرها البليغ على والده. ليدخلا معاً مرحلة مفصلية مهمة في سياق هذه المسيرة الملحمية كانت العمارة فيها دائما راس الرمح. خطوات مهمة ظهر فيها مع حسن كشخصية أساسية مفتاحية رفيق دربه أستاذنا المعماري المهم عبد المنعم مصطفي. مسيرة مظفرة سيكون مدخلنا إليها عبر أضاءت عن خلفيتهما.
مجريات الأحداث تشيئ بأن رؤي تطلعات إبراهيم مالك دخلت مرحلة متقدمة بعد أن حل في تلك الفيلا في الخرطوم إثنين. تشهد على ذلك مؤشرات محددة ألقت بظلالها الكثيفة على العمارة. كواحدة من أول الخطوات في طريق طويل استمر لقرابة العقدين من الزمان. لينقل فيها نشاطه في مطلع الستينات لساحة أخري خارج إطار الأحياء السكنية. في خطوة متزامنة مع بدايات رسوخ أقدامه في عالم المال والأعمال في العاصمة. جعلته يقتحم ذلك العالم في واحد من أهم معاقله في مركز الخرطوم التجاري هو السوق العربي. ليحتل مواقع في ركنه الجنوبي الغربي نثر فيها في أول مشروعاته درر معمارية متعددة الأنواع. مبني لرئاسة مجموعته وفندق صغير وعمارة مجمع للمحال التجارية والمكاتب. مرحلة مهمة لا يمكن التطرق إليها بدون الإشارة مرة أخري لصناع الأحداث فيها. الذين أعلنوا هناك ضربة البداية لملحمة معمارية تداعت أحداثها لعدة عقود من الزمان. واحد منهم ابنه حسن الذي كانت له أدواراً مؤثرة للغاية في مسيرة والده في مجال الاستثمارات العمرانية معمارية الطابع. اللاعب الأساسي الثاني راس الرمح في هذه الإنجازات هو عبد المنعم مصطفي. أستاذي وأستاذ الأجيال عراب عمارة الحداثة السودانية. الذي جمعته مع حسن علاقة قوية تطورت لشراكة بالغة الذكاء استمرت لأكثر من نصف قرن من الزمان. بالرغم من بعض تباين في خلفيتهم أثبتت مجريات الأحداث أن ما كان يجمع بينهما كان أقوي أكثر تأثيرا. بناءً على عدة شواهد سنتطرق لها لاحقاً.
عندما أطلق علي حسن إبراهيم مالك صفة الوجيه أفعل ذلك لأنه يستحقه بجدارة بناءَ على مسوغات سيرد ذكرها لاحقاً. أكرمتني الظروف إذ كنت قريبا منه جداَ خلال فترة محددة برفقة رفيق دربه عبد المنعم. في مواقف معمارية مشهودة كنت ألعب فيها في بداية مسيرتي دور (الكومبارس). التي تعني بلغة الدراما والمسرح الممثل السنيد. تواصلت بعد ذلك بعد أن اشتد عضدي وعودي المعماري في أطر مختلفة. ظللت فيها في مراحل متتابعة أرصد مسيرته عن قرب منبهراً بفتوحاته في مجال الاستثمار العقاري. أكثر ما لفت انتباهي فيها طموحه اللافت ورغبته وعزيمته الوافرة في أن يطور نفسه يرتقي بها عبر الزمان. من بدايات بسيطة لفتي أتي من تندلتي في بداية الخمسينيات ليحط رحله في حي الخرطوم تلاتة. الذي لم يكن في مستوي أحيائها الأخرى المتقدمة عليها الخرطوم واحد والخرطوم اثنين. يسعي ليضع له موطئي قدم في رحاب الخرطوم هو أبن رجل أعمال وافد جديد إليها من أقاليم السودان. لم تتاح له الفرصة للالتحاق مع نفر محدود من نظرائه بالمدارس الثانوية الثلاثة المتميزة. لكنها عوضته عنها ببديل ممتاز هو مدرسة الملك فاروق المصرية. التي أعتقد جازماً بناءً على عدة شواهد بأنها كانت واحدة من البوابات المهمة التي ولج منها إلى عالم حضاري ثر. ساهم كثيراً في تطوير بلورة شخصيته التي عكستها إنجازات كبيرة احتلت العمارة جزءً مقدراً منها. جانب مهم لعب فيه صديق عمره رفيق دربه عبد المنعم مصطفي دوراً أساسياً مؤثراً.
لم يحظ حسن كحال العديد من أعز أصدقائه لاحقاً بفرصة الدراسة الجامعية وما بعد الجامعية. التي أتاحت لهم فرصة للسفر لعواصم العالم الغربي خاضوا فيها تجارب منحتهم زخم حضاري ملموس. لكن بالرغم من كل ذلك مكنته عبقريته الكامنة من منافستهم في الكثير من دروب الحياة. جعلته يتفوق عليهم في بعض المجالات منها فهمه المتقدم للعمارة موضوع هذه المقالة. الذي لمسته بوضوح في تعاملي معه بشكل مباشر وغير مباشر. أيضاً بمتابعة بعض مشاريعه التي شكلت محطات مهمة في مسيرته الظافرة. حالة تستدعي بالضرورة النظر إليها من خلال علاقته الخاصة بصديق عمره رفيق دربه عبد المنعم. شراكة ذكية مدهشة استمرت لعدة عقود من الزمان توثق لتوافق وصل لدرجة أشبه بالتماهي. أجمل ما فيها بعدها التكاملي الناتج عن بعض تباين في خلفيتهم. سيتضح أمره عندما نستعرض جوانب من سيرة ومسيرة عبد المنعم. التي كان فيها لحسن دور مؤثر في مقدرته على تجسير الهوة الثقافية الحضارية بين القطبين الرئيسين في عملية معقدة. كان أحد طرفيها والده تقليدي الخلفية القادم للعاصمة الخرطوم من تندلتي. الثاني أستاذنا عبد المنعم الذي كان قد عاد لتوه من بريطانيا مع بداية الستينات بعد أن درس العمارة في جامعاتها. ليسطع نجمه حقبتئذٍ منصباً نفسه عراباً لعمارة الحداثة التي تشرب بفكرها كجزء أساسي من دراستها هناك. ليرسما معاً ملامح مشهد معماري التقي فيه طموح رجل الأعمال الوافد للخرطوم. مع تألق معماري شاب متطلع لمجد يطمح في تحقيقه بالعبور بعمارتنا لأفاق الحداثة. مشهد لعب فيه حسن دور أساسي بجمعه بين راسيين في وفاق تام ليرسما معاً ملامح مشهد معماري بديع السمات.
الواضح أن حسن مالك كان منذ زمان مبكر يتمتع بحس حضاري متقدم تميزه قرون استشعار بالغة الحساسية. نمت ترعرعت قبل وصولهم للخرطوم في ربوع أحيائهم الراقية في مدينة تندلتي. سمات وخصال مكنته لاحقاً بسلاسة من الاندماج تدريجيا في مجتمع العاصمة وتصدر المشهد في حالات كثيرة. الواضح أن تلك السمات كان لها دور مؤثر بعد مرحلة استقرار الأسرة في الخرطوم تلاتة. حيث قاد والده ببراعة هو يتحسس طريقة ليحتل مكاناً مرموقاً مع رجال أعمال ووجهاء العاصمة في مطلع الستينات. في هذا السياق نما إلى علمي دوره المؤثر في ارتحال الأسرة استقرارها في حي الخرطوم اثنين. تحديداً في عملية شراء والده للفيلا الكبيرة الفخمة في ذلك الحي من صاحبها (الإغريقي). توالت بعد ذلك خلال تلك الحقبة في نفس السياق أدوار حسن المؤثرة معمارية الطابع مع والده. الذي كان يستهدي به فيها إلى حد بعيد هما يشقان معاً طريقها في الاستثمار في هذا المجال في شراكة تكاملية مثمرة. ما كان لها أن تكون على هذا النحو والدرجة من النجاح لولا دخول طرف ثالث. هو أستاذنا المعماري عبد المنعم مصطفي رفيق دربه لاحقاً صديق عمره الأقرب إليه. لعب فيها دوراً مؤثراً في بداية تلك العلاقة ثلاثية الأركان كان فيها راس الرمح. التي حققت اختراقات معمارية مؤثرة في بداية تعاونهم معاً. شكلت لاحقاً محطات مهمة في مسيرة أستاذنا ومسيرة عمارة الحداثة السودانية التي صار بلا منازع عرابها الوطني السوداني.
من المهم أن نعود للوراء قليلاً قبل الحديث عن علاقة عبد المنعم مصطفي بحسن مالك. إذ أن ما كان يحدث قبل بدايتها كان له إسقاطات مهمة على مسيرتهما وإنجازاتهم المعمارية معاً. ولد عبد المنعم نشاء ترعرع في مدينة أمدرمان عاصمة البلاد الوطنية. بدايات شهدها أرخ لها حي الركابية الذي اكتسب شعبيته من موقعه المتاخم لسوق المدينة. نزعة شعبية تغلغلت في روحه ووجدانه وضعت بصمتها البائنة على شخصيته التي تشبعت بالسوداناوية. مصطلح يطلق على من تشرب بروح الوطن صار جزءً أصيلا منه عميق الأثر بشكل لا يمكن الفكاك منه. انطوت صفحة تلك المرحلة من حياة عبد المنعم لتبدأ صفحة أخري حافلة بأحداث جاءت وقائعها علي على طرف نقيض من المرحلة الأولي. بداءً بسنوات دراسته للعمارة في الجامعات البريطانية التي توجها بناجح باهر. ليعود لبلاده في مطلع الستينات مصطحباً معه زوجة من حسناوات تلك الديار. معها روح حداثة غامرة تشرب بها مع مناهج دراسة العمارة هناك. عاد في حالة يبدو فيها بشكل عام كأنه تحول بمقدار مائة وثمانين درجة بالمقارنة بمواقف عبد المنعم السوداناوي القح. تجلت في كل جوانب حياته المستبطن منها والظاهر. لكن يبدو أن الإحساس السوداناوي المتغلغل في وجدانه كان ينازعه بقوة محاولاً أن يخلق نوعاً من التوازن. ليؤسس لحالة ازدواج شخصية حميدة إيجابية التأثير. تجلت في نهج عمارة الحداثة الذي اتبعه ليصير عرابه بلا منازع. ظاهرة تجلت في أعماله التي كان حسن إبراهيم مالك شريك فيها.
بداء عبد المنعم مسيرته بعد عودته من دراسة العمارة في بريطانيا في بداية الستينات في وزارة الأشغال. لينتقل بعدها يصبح محاضراً بقسم العمارة بجامعة الخرطوم. مرحلة كان فيها مشحون بفكر الحداثة الذي تشرب به خلال دراسته في بريطانيا. عززته مرحلة التحاقه بقسم العمارة الذي تأسس على نفس تلك المبادئ الفكرية. بالإضافة إلى ذلك وفر له وضعه في الجامعة منصة انطلاق ممتازة. ظروف أعانته في بث رسالته المعمارية لمجموعة أول من تعامل معهم من خلال مشاريع بيوتهم وفيلاتهم. نخبة من أصدقائه جلهم من أساتذة الجامعة واختصاصين في شتي المجالات. كانوا يمثلون الطبقة المستنيرة عصرية الرؤي تقدمية الأفكار. بعضهم كانوا مثله مقترن بزوجة غربية. مجموعة شبهتهم مع الاعتذار عن هذا التشبيه بفئران المعامل التي تستخدم في التجارب المعملية. ظروف وملابسات مهدت له الطريق لنشر أفكاره الجديدة. التي وضع من خلالها أساسيات نهج الحداثة السودانية في إطار العمارة السكنية. أجمل ما فيها أنه لم ينجرف مع أهواء عملائه من الصفوة أو الإنتليجنسيا. لكأني هنا بسوداناويته الكامنة بدأت تتحرك لعمل توازنات محسوبة بعناية لتأسس لحلول توفيقية. أنتجت عمارة حداثية فذة عالية القيمة تحترم قيمنا وتقاليدنا. من خلال أسلوب بالغ التفرد حمل بصمتة البائنة فجنب البلاد والعباد شرور النقلة المفاجأة بصدماتها المزلزلة. فرش له أيضاً الطريق للولوج لعالم إبراهيم مالك مجسراً الهوة الحضارية الثقافية بينهما. عمل وإنجاز مقدر لعب فيه ابنه حسن دوراً مقدراً أسس لشراكة ذكية تطاول أمدها.
فتحت تلك البدايات الموفقة الباب لعبد المنعم ليوسع دائرة انتشاره خارج إطار نخب الإنتليجنسيا. أجواء جعلته منفتحاً منذ منتصف الستينيات لارتياد أفاق أرحب. يبدو أنها كانت هي الفترة التي التقي فيه برفيق دربه لاحقاً حسن إبراهيم مالك. جاءت بالنسبة لهم في زمانها ومكانها السليم. ليس لدي كثير معرفة بتفاصيل تحت الحقبة غير أنني جمعت معلومات مهمة عن بعض تفاصيلها. لقاء عبد المنعم المعزز بعلم غزير ورغبة ملحة في نشر أفكاره المعمارية الجديدة على أوسع نطاق. مع طموح ذلك الشاب حسن المنفتح بثقة على مجتمع العاصمة ورغبة أكيدة في أن يضع موطئي أقدامه في عالمه الحضاري. مستنداً على إمكانيات وتطلعات والده الذي بداء نجمه يسطع منافساً لأقرانه من رجال الأعمال العاصمين. أشواق مشتركة التقت في ساحات العمارة. كانت بداياتها في رحاب الجانب الجنوبي الغربي من السوق العربي التي أشرت إليها من قبل. أعمال مدهشة سطعت في ذلك الجزء من مركز المدينة التجاري. الذي كان لا زال مرتهن لطرز سابقة تكاد تخلو من الملامح المتميزة. أذكر تلك الأعمال جيدا إذ كنت مفتتن بها أنا في أواخر مراحل دراستي س الأولي للعمارة في منتصف الستينات. انطباع إيجابي عالٍ يبدو أن الشيخ إبراهيم مالك شاركني فيه نفس المشاعر. إعجاب من الواضح أنه كان جواز مرور للثنائي الرائع حسن وعبد المنعم. ليمضيا معا في نقل نشاطهم هذه المرة لمشاريع إسكان أسرتهم. ضربة بداية كانت ساحتها ذلك الجزء من حي الخرطوم اثنين الذي وضع فيه إبراهيم مالك أقدامه في بداية الستينيات.
وجدها عبد المنعم هناك فرصة سانحة لإثبات وجوده مرة أخري لإبراهيم مالك في حيه في ذلك الجزء من الخرطوم اثنين. مشاريع ثلاثة بيوت لأبنائه الثلاثة أحمد وعلي وحسن. في قطع سكنية متجاورة وقريبة من فيلته مترامية الأطراف. كُلف بجوارهما أيضاً بتصميم فيلا كبيرة خاصة بالشيخ بشير النفيدي أحد رجال الأعمال الجدد صهره زوج أبنته. خطوة ذات دلالات مزدوجة أولها ظهور الشيخ النفيدي كواحد من رجال الأعمال المهمين في العاصمة في حقبتئذٍ في الستينات. ثانيهما تمدد أسرة إبراهيم مالك الممتدة مع بداية ظهور أبنائه معه في الصورة كنجوم في مجتمع العاصمة. ظاهرة مجتمعية لافتة للانتباه جاءت محمولة مرفرفة بأجنحة عمارة عبد المنعم المتميزة. معطيات عقدت من مهمته هو يتعامل هناك لأول مرة مع من هم من خارج إطار نخبة الإنتليجنسيا الذين بداء مسيرته معهم. تحدي جديد كبير تعامل فيه لأول مرة مع شريحة مختلفة ذات خلفية تقليدية. وضع اعتبار خاص لمطلوباتها الأساسية من أهمها علي راس أسبقياتها خصوصية الأسرة. أقبل على ذلك المشروع السكني متعدد الوحدات هو مدرك لعظمة التحدي متعدد الجوانب. في حي كان سكانه من وجهاء المدينة من قيادات الخدمة المدنية وكبار رجال الأعمال الأجانب من أصول أوربية. فكان عليه هنا أن يقدم في هذا السياق عمارة مشرفة تنافس مستوي بيوت أهل الحي. تُظهر أبناء أبراهيم مالك وصهره بشكل يليق بمقامهم يقدمهم في أرقي صورة للمجتمع تهيئهم للعب الأدوار الطموحة المأمولة. باعتبارهم واجهة الأسرة مستقبلها الواعد. كان عليه أن يفعل كل ذلك بدون أن تهتز قيمهم التي تأسست على خلفية إقليمية.
مضي عبد المنعم في ذلك المشروع السكني متعدد الوحدات بهمة عالية ليرسم لوحة معمارية بديعة في ذلك الجزء من الحي. تعامل مع كل واحدة منها إلى حد ما بشكل مختلف بناء على عدة عوامل. ففي فيلا شيخ النفيدي هو أكبر المجموعة سناً راهن على التنطيق الأفقي. ليناي بمنطقة الضيوف عن عمق الدار المخصص للأسرة. حل تقليدي يلائم ظروف مثل هذه الأسرة والمقام الرفيع لصاحب الدار تقليدي الخلفية. اختلف الحال في بيوت وفيلات أبناء إبراهيم مالك الأصغر سناً. التي لجاء فيها لحلول ومعالجات عصرية. تعاملت بحساسية فائقة وذكاء مع المطلوبات القيمية على رأسها خصوصية الأسرة. التي عالجها بحلول مبتكرة أسس من خلالها لنقلة مهمة من طرازه صارت أشبه بالماركة المسجلة لعمارته. من أهمها الاستخدام الكثيف في الواجهات لأنواع متعددة من كاسرات أشعة الشمس. المكعبات والوحدات الإسمنتية المفتوحة وشرائح الخشب الرفيعة أو (السدائب) ومقاطع الحديد المعروفة باسم (الزوى). التي ظللت الواجهات أمنت خصوصية أهل الدار ومنحت العمارة حيوية مترفة. رسمت الخشبية منها لوحات بازخة الجمال علي محيا فيلا أحمد قبل أن تطالها يد الإضافات والتعديل. فيما توشحت واجهات مبني حسن بغلالة من وحدات المكعبات الإسمنتية المفتحة. مفتتن فيها أنا أيما افتتان بشرفة (بلكونة) صغيرة معلقة في الجانب الشرقي. أسدلت على واجهتها ستارة مفتحة مدهشة من (زوي) الحديد. تمنح الجالس داخلها في أجواء رومانسية إطلالة مدهشة على العالم الخارجي بدون اجتراح لخصوصيته. سكب عبد المنعم في فيلات أبناء أبراهيم مالك هناك فيض من إبداعاته. فتحت له الأبواب ليأسس لعمارة حداثة سودانوية السمت.
أتوقف هنا عند هذه المرحلة من أعمال الثلاثي المدهش المرحوم إبراهيم مالك وأبنه حسن. معهم رفيق درب حسن أستاذنا عبد المنعم مصطفي الذي كان رأس الرمح في إنجازاتهم المعمارية الرائعة. لأنتقل لحالة كانت سيناريوهاتها شبيه إلى حد كبير بما حدث لعبد المنعم مع أسرة أبراهيم مالك. حالة رجل أعمال عمل بجد واجتهاد وصبر في مجال التجارة في أقاليم السودان حقق فيها نجاحات باهرة. حفزه طموحه في بداية الستينات لنقل أنشطته للعاصمة. أملاً في أن يصير واحد من أهم رجال المال والأعمال فيها. قد كان له ما أراد لاحقاً تحققت أحلامه في ملحمة تحكي عن طموحه ونجاحاته الباهرة. تفاصيلها شبيه بحالات مماثلة كان نجومها أبراهيم مالك في الخرطوم والكوارتة في أمدرمان وإدوارد أسعد أيوب في الخرطوم مرة أخري. الذين سنأتي على ذكرهم لاحقاً. نجمنا هذه المرة الوجيه والشيخ أو الحاج إبراهيم طلب. ملحمة نجاحه صعوده إلى القمة في ربوع العاصمة تستحق التوقف عندها. شكلت العمارة فيها بأمر أستاذنا عبد المنعم مصطفي بإنجازه المتميز واحد من أهم جوانبها. من خلال عمل أعتبره من أميز إنجازاته بالرغم من أن بعضكم قد يعتبر أن الزمن تجاوزه. لكن الزمن لا يمكن أن يتجاوز مثل هذه الأعمال. فهي بالرغم من بساطة مبانيها بالمقارنة لم ألت إليه العمارة لاحقاً تقدم لنا دروساً في غاية الأهمية. تستحق أن نتأملها بعمق لنستجلي عظمة معانيها المستبطنة. التي كرست لها من قبل أكثر من مقالة. كان عنوان واحدة منها: عبد المنعم مصطفي معماري الإنتليجنسيا وأيضاً الجلابة. الجلابة لقب كان يطلق في زمان مضي على طبقة من التجار. تجدون المقالة ضمن مواد موقعي الإلكتروني الوصول إليه عبر الرابط-drhashimk.com.
ينتمي إبراهيم طلب تعود جزوره لدار جعل لقبيلة الجعلين موطنها هناك في ذلك الجزء النيلي من شمال السودان. هو من مجموعة منها أرتبط تاريخها بمجاهدات أنصار المهدي في سنوات ذلك العهد الوطني المشرق. روابط حرص الشيخ علي الاحتفاظ بوشائجها التاريخية حتى زماننا الحديث كما سيتضح لاحقاً. بداء الشيخ ملحمته المجيدة في عالم التجارة بدايات بسيطة حفر فيها في الصخر. ارتبطت بمدينة القضارف في شرق السودان. تنامت بعد ذلك بشكل دفعه للانتقال بنشاطاته التجارية للعاصمة. التي اجتذبت العديدين من أمثاله بعد فجر الاستقلال في منتصف الخمسينات. حيث حل فيها شدته ميول انتماءاته الأنصارية إلى مدينة أمدرمان. عاصمة العهد المهدوي ليستقر فيها بود نوباوي حيهم التاريخي منذ زمان سحيق فطاب له المقام فيه. طموحه لاحقاً المحمول على أجنحة نجاحات ملموسة في مجاله التجاري. بالإضافة للتمدد الأسري دفعه للارتحال لواحد من أحياء العاصمة الجديدة. لينتقل في نهاية الستينات لحي الميرغنية في الجزء الشمالي الغربي من مدينة الخرطوم بحري حقبتئذٍ. حيث وجد له موقعاً كبيراً مع وجهاء المدينة عدد مقدر منهم سطع نجمه في عالم المال والأعمال. بداء هناك التفكير في مشروع بيته في وقت كان نجم أستاذنا عبد المنعم مصطفي يتصاعد. باعتباره المعماري المفضل لطبقة الجلابة الوافدين للعاصمة بعد حققوا نجاحات مقدرة في أقاليم بلادنا. حالة وثقت لها ولمساهماته المعمارية مع أسرة إبراهيم مالك تناولتها بشي من التفصيل من قبل.
دعته تجربة أسرة إبراهيم مالك حفزته للاتصال بعبد المنعم لتكليفه بتصميم مجمع بيوت أسرته. في موقع مترامي الأطراف يحتل مساحة أربع قطع سكنية قرب الركن الشمالي الغربي من حي الميرغنية. كان عبد المنعم قد زار منطقته من قبل غازله في موقع قريب بتصميمه لمنزل الدكتور محمد عبد الله نور. عمل معماري صغير أية في الأناقة والجمال. شواهد كانت كلها محفزات لإبراهيم طلب للمضي قدماً بحماس كبير في مشروع مجمع بيوت الأسرة هناك. ليقدم من خلالها عبد المنعم تجربة أعتقد أنها واحدة من أهم أعماله. أعظم ما فيها أنها لامست بحساسية فائقة أشواق الشيخ إبراهيم طلب. عزفت على الأوتار الحساسة التي تشدها قيم وإرث قبيلته وأهله. عمل حضني في أكثر من مرة ومناسبة للتغزل فيه في عدد من مقالاتي متعددة متنوعة العناوين. أعظم ما في هذا العمل الذي رأي النور في السبعينات في واحدة من مدن العاصمة المثلثة. أن مصدر إلهامه الأساسي كان بيوت الطين التقليدية البسيطة في شمال بلادنا في دار جعل وديار القبائل المجاورة لها. لجَم عبد المنعم صهوة جواد خامات البناء وطرق التشييد الحديثة المستخدمة في هذا المشروع الطموح. أخضعها روضها بشتى السبل لتستجيب من خلال عمارته لتتجاوب مع قيم أهل الشيخ وشمائلهم الموروثة. لتصدع هناك في نواحي ونواصي وتفاصيل عمارة ذلك المجمع السكني المدهشة البديعة.
عظمة عبد المنعم في أنه أنتج في هذا المجمع السكني نموذج مضخم لبيوت دار جعل التقليدية مشيدة بأحدث مواد البناء حقبتئذٍ. أنجز ذلك بدون أن تهتز معانيه السامية التي عمل على ترسيخها بشتى السبل. فالموقع مكون من عدة بنايات أشبه بالقلاع كل واحدة منها مخصصة لأغراض محددة خدمة لأهداف نبيلة مؤسسة على قيم راسخة. يتوسط المشهد واحدة منها مخصص له ولأسرته النووية أو الصغيرة. خلفها من الناحية والغربية في ركن القطعة السكنية أخري شبيه معدة للأقارب والضيوف من النساء متيحه لهن أعلي درجات الخصوصية. تتسامي القيم العائلية في أعلي درجاتها في الركن الجنوبي الشرقي للمجمع في مبني مماثل أشبه بالقلعة أيضاً. مخصص لأخ الشيخ وعائلته تقديراً تقديساً لصلة الرحم. الاهتمام بإسكان مكونات الأسرة الممتدة وضيوفها من النساء لم يكن خصماً من حساب الزوار والضيوف تحديداً الذكور منهم. فمكانتهم مقامهم السامي محفوظ هم دائماً على الرحب والسعة. إذ أعد لهم مبني خاص بهم مكون من طابقين في الركن الشمالي الشرقي من المجمع السكني. خصص الأرضي لغرف الاستقبال والمعيشة وقاعة طعام فسيحة ملحق بها المطابخ. فيما خصص الطابق الأعلى معه طابق السطح لاستضافة الزوار. مبني هو تجسيد ونموذج مكبر عصري للديوان الذي كان يتصدر بيوتهم التقليدية في موطنهم. مظاهر اهتمام و ترحيب واحتفاء الشيخ بضيوفه وزواره تتجلي في ساحة صغيرة مبذولة لهذه الأغراض. موقعها بين مبني أسرته وتلك المضيفة. كانت دائماً مسرحاً للقاءات والاحتفاء بهم التي يتجلى فيها كرمه الفياض. تخطيط وتصميم هذا المجمع السكني عبارة عن أنموذج مكبر عصري لبيوتهم التقليدية في دار جعل المؤسسة على شيمهم النبيلة.
اهتمام احترام إبراهيم طلب للقيم السودانية تحديداً المعنية منها بخصوصية الأسرة بلغ في هذه الحالة أعلي درجاته. أستدل على ذلك بواقعة محدده لاحظتها بمتابعتي لهذا العمل المتميز عبر السنين. كان عبد المنعم قد أحاط رواقات أو برندات الطابق الأول من تلك القلاع بحيطان من المكعبات المفتحة أو المخرمة. بشكل يسمح لمن هم فيها بإطلالة للخارج بدون أن تخصم من خصوصيتهم. مما يعني بالضرورة أن يكون ذلك خصماً على خصوصية جيرانه. الذين كان يكن لهم كل الاحترام والتقدير بناءً على شهاداتهم. مشاعر وأحاسيس دعته لاحقاً لمعالجة هذا الأمر بسد فتحات مكعبات الحيطان الإسمنتية لتصبح جدران صماء. واحدة من التفاصيل الصغيرة التي لم يستوعب المصمم عواقبها القيمية عالجها الشيخ بما يتسق مع تلك القيم. أمر لا يقلل كثيراً من عظيم تقديرنا لأستاذنا عبد المنعم الذي أدخل نفسه أو أدخلته الأقدار في تجربة أخري زاخرة بالتحديات. تعامل فيها مع أسرة واحد من رجال الأعمال المتميزين الذين وفدوا للعاصمة إرضاء لطموحهم المتصاعد. فنجح هو عبر عمارته السديدة في أن يقدمهم لمجتمع العاصمة بشكل مشرف. الجديد في هذه التجربة بمقارنتها بحالة أسرة إبراهيم مالك أنها استوعبت معها الجانب التخطيطي. إذ تعامل هنا مع مجمع كبير مكون من عدة وحدات أو بيوت فنجح في هذه التجربة بجدارة. عمل بلا شك ساعدته فيه دراساته العليا في أسترالية التي تخصص فيها في مجال التخطيط العمراني.
الواضح أن نجاح عبد المنعم في هذا العمل الكبير أضاف لسيرته بشكل مقدر. كان من ثمراته أنه صار واحداً من أهم خيارات رجال أعمال أخوة من خلفية إقليمية استقروا في العاصمة أسسوا فيها أعمالا كبيرة مهمة. كان جزء أساسي من استقرارهم فيها الظهور بمظهر مشرف كانت بيوتهم واحداً من أهم أركانه. ظاهرة كان أستاذنا عبد المنعم بجدارة واحداً من أهم نجومها كما أثبتت ذلك حالات أشرت لها من قبل. حالة أخري إضافية وثقت لها من على البعد. لم أستطع الاقتراب التعرف على كل تفاصيلها. لعدة أسباب واحدة منها ظروف خاصة ألمت منعتني من حرية الحركة وتغطية الحالة بكاميراتي. بالإضافة لحواجز وهمية جعلت أصحاب واحد من هذه المشاريع الإسكانية المهمة يضربون سياجاً من السرية غير مبرر. المشروع الذي أعنيه مكون من فيلات ضخمة متشابه اصطفت في خيلاء مستحق منحها لها مصممها أستاذنا عبد المنعم. موقعها في الطرف الغربي من حي الطائف في الخرطوم مطل على شارع عبيد ختم. مشروع إسكاني كبير أصحابه مجموعة أخوة وفدوا للعاصمة قبل فترة طويلة من واحدة من مدن الجزيرة الخضراء الصغيرة. ليحققوا فيها نجاحات مشهودة في عدة مجالات اقتصادية مهمة. عمل معماري كبير متميز يضاف لإنجازات أستاذنا في التعامل مع هذه الشريحة المجتمعية. اكتسب بالنسبة لي أهمية متعاظمة نسبة لتطورات بالغة الأهمية. هي استعانة تلك المجموعة لاحقاً بمعماري متميز من الرواد للتعامل مع هذا المشروع. خطوة يبدو أنها تمت بدافع تجديد هذا المشروع وحقنه بجرعة من الحيوية حسب رؤيتهم الخاصة. مما يجعل من هذه الحالة مادة خصبة للتأمل والدراسة والتقويم العلمي المعمق. من محاسن الصدف أنني سأستعرض جزءً من مسيرة هذا المعماري في سياق هذه المقالة.
ظهر مع مطلع السبعينات منافس أخر لعبد المنعم في ساحة عمارة الحداثة السودانية التي بدأت تتشكل بملامحها المتميزة. هو كمال عباس الذي تخرج في الستينات من واحدة من جامعات شرق أوربا. بداء مسيرته من مكتب أستاذنا الأمين مدثر الذي ورثه من بيتر مولر مدثر مؤسس عراب عمارة الحداثة الأوربي. بداية صحيحة أهلته لاحقاً بجدارة ليصبح واحد من أميز المعماريين. حاملاً راية ذلك التوجه المعماري مع رفيق دربة عبد المنعم الذي سبقه في هذا الطريق. صار لي منذ تلك الفترة الباكرة لاحقاً منذ نهاية الثمانينات اهتمام خاص بحالته. أسس لها عمقها قربي اللصيق به إلى أن فارق دنيانا الفانية في عام 2017 في جعبته وخاطره العديد من الأفكار والرؤى المعمارية النيرة. بالرغم من تسيده للمشهد مع عبد المنعم لعقود من الزمان لاحظت اكتشفت فيه جوانب محددة ميزته عليه. بالطبع بدون أي انتقاص من مقام أستاذنا عبد المنعم الذي لا يعلي عليه أحد مهما تقادم الزمن باعتباره عراب عمارة الحداثة الوطني. تميز كمال لم يأت من فراغ لكنه كان مؤسس على استعداد فطري فني متقدم جداً كان من أهم أسباب نجاحه تفوقه على أقرانه. كان واحد من أسباب مقبولية عمارته العالية عند قطاعات واسعة من الشرائح المجتمعية. الذي جعل عمارة الحداثة مستساغة محببة خارج إطار النخب من المتعلمين المعروفين باسم الإنتليجنسيا. مقتحمنا بذاك شريحة رجال أعمال تقليدين ناجحين وفدوا للعاصمة في أزمنة سابقة من أقاليم البلاد. رغبوا احتاجوا لخدماته لكي يقدموا أنفسهم لمجتمعها في أبهي صورة. فقام بالواجب على أحسن ما يكون كما سيتضح في هذه المقالة التي خصصتها لدراسة هذه الظاهرة.
المدهش في تجربة كمال عباس مع هذه الشريحة من رجال الأعمال الوافدين للعاصمة أنها تميزت بتنوع غير مسبوق. تمددت خارج الإطار المعهود من الأسر السودانية التقليدية. فشملت برعايتها أسرة مسيحية من إخوتنا الأقباط سأستعرض حالتها لاحقاً بشي من التفصيل. سنتناول في البدء حالة يصفونها بالكلاسيكية. مجموعات سودانية تقليدية وفدت في زمان مضي من أقاليم السودان للعاصمة بحثاً عن عمل ومصادر رزق. نركز هنا بالتحديد على مجموعة من قبيلة الشايقية في شمال السودان جاءت من منطقة كورتي لذا صار يشار إليهم بالكوارتة. استقرت في العشرية الأولي من القرن الماضي بمدينة امدرمان. نشاطهم التجاري جعلهم يستقرون في جزء عريق منها هو حي العرب المجاور لسوق المدينة من ناحيته الغربية. ليأسسوا لإرث نشاط اقتصادي تجاري تنامي ازدهر عبر عقود من الزمان. جعل بعضهم لاحقاً من الأسماء اللامعة في ذلك المجال في العاصمة. ثمة تطورات دفعت بعضاً من أجيالهم اللاحقة الطموحة لمفارقة الحي الانتقال لامتدادات المدينة الجديدة. طموح استوعبته في عشرية الستينات أحياء مدينة الثورة. تطورات فتحت الباب لمن أصابوا قدرا عاليا من النجاح لتطلعات أكبر في إطار نفس تلك الأحياء. حالة كنت معني بها بشكل خاص لأنها جاءت في إطار موضوع هذه المقالة. تصدر المشهد فيها واحد من المعماريين الذين سطع نجمهم في حقبة السبعينيات. ممن كانوا مؤثرين في مساهمتهم في تقديم تلك الشريحة من رجال الأعمال لمجتمع العاصمة بشكل مشرف. هو المعماري الفذ الفنان المرحوم كمال عباس. الذي وضع بصمته البائنة المبهرة في عمارة بيوت عدد من أميز رجال الأعمال الكوارتة في الحارة الثالثة بمدينة الثورة.
كانت لي بداية علاقة وصداقة متميزة مع الأخ الحبيب المرحوم كمال تعززت بعد عودتي من البعثة في نهاية الثمانيات. بدأناها بزيارات متصلة متعاقبة طوف بي فيها في جل أعماله. المكتملة منها ما كان تحت التشييد بعضها كانت مجرد مشاريع تبلورت أفكارها في ذهنه الوقاد وخياله الجامح. كانت من أهم مشاريعه المكتملة حقبتئذٍ مجموعة من تسعة بيوت أو فيلات لعدة أسر من الكوارتة. توزعت في الحارة الثالثة متلاصقة أو متقاربة من واقع صلة القرابة بين تلك الأسر. طوفت معه في أرجاء الحي متوقفاً عند كل فيلا مأخوذ في نهاية الرحلة بذلك الإبداع المتدفق. مشهد غمرتني فيها العمارة بأحاسيس مترفة اختزنتها في ذاكرتي ردحاً من الزمان. لتطفوا إلى السطح مرة أخري بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من الزمان توحي لي مع خواطر شبيه بموضوع هذه المقالة. اكتشفت هناك في تلك الفيلات جوانب عديدة جديرة بالانتباه والاهتمام والتقصي. ساعدني في إماطة اللثام عنها سبر أغوارها واحد من أميز الكوارتة هناك. الألمعي الوجيه رجل الأعمال الشاطر القطب السياسي الإداري المحنك في المجال الرياضي محمد ألياس محجوب. الذي كان راس الرمح في مشروع بانوراما معمارية مدهشة تمددت في الجزء الجنوبي الغربي من الحارة الثالثة. لتطرز واجهته المطلة على شارع الوادي بلألائي معمارية.
سطعت فيلات الكوارتة في تلك الحالة الحضرية لتؤرخ لتجربة إسكانية مثيرة للاهتمام جديرة بالتوثيق. مهمة أعانني في القيام بها الوجيه محمد ألياس الذي كان له دور مفصلي رئيسي في هذه التجربة الفريدة. ملحمة عمرانية معمارية كانت بدايتها طرح قطع تلك المنطقة السكنية في مزاد علني. قرار قصدت به الجهات الرسمية المعنية بهذه الخطط الإسكانية استقطاب ذوي المقدرات المالية العالية. أملاً في تشييد بيوت وفيلات ذات مستوي رفيع وقيمة جمالية متميزة. تثري تجمل ذلك الجزء المهم من مدينة الثورة باعتباره واجهة مطلة على شارع الوادي الرئيس. قد كان لها إلى حد بعيد ما أرادت وتحققت أهدافها المأمولة. إذ ظهرت تلك الواجهة معها جزء مقدر من عمق الحي بشكل مشرف. مهمة تصدي لها رهط من الكوارتة ذوي المقدرات المالية العالية والطموح الجامح والرغبة في إثبات وجودهم مع وجهاء المدينة. فاجتهدوا بفضل عزيمتهم العالية وبراعة وحنكة وفنيات كمال عباس المتقدمة. جهد مقدر كان فيه الوجيه محمد ألياس همزة الوصل بينهم وبين المعماري المصمم. في هذا السياق كانت فيلته ضربة البداية لتتداعي تنتشر أخريات تزين أرجاء ذلك الجزء من الحارة الثالثة. عمارة متفردة ميزت فيلانهم هناك بطابع فريد وضع فيها كمال عباس بصمته البائنة. مقتحماً مدينة أمدرمان التي رصع أرجاءها لاحقاً بدرر معمارية متميزة. مطرزاً بها أحياء بيت المال والهاشماب والملازمين وأبو روف.
بداء كمال عباس تأسيس مكتبه الخاص في بداية السبعينات بعد فترة قضاؤها في مكتب الأمين مدثر. مرحلة انطلاق ثرة أنتج فيها أعمالاً متميزة أذكر منها مبني البنك التجاري في موقعه شمال قباب أبو جنزير الشهيرة. بداية قوية هيأته لمسيرة موفقة زاخرة بالنجاحات. كان جل من تعامل معهم في تلك الفترة صمم بيوتهم وفيلاتهم من المهنين ذوي المقامات الرفيعة في مجالاتهم. مهنين ورجال أعمال من أعرق أسر الخرطوم صمم لهم فيلاتهم في أرقي وأحدث أحياء المدينة مثل قارد سيتي. خبأ منتصف السبعينات مفاجأة داويه لكمال عباس كبيرة في حجمها معقدة في مطلوباتها. عبرت به النهر من الخرطوم ليحط رحله في أقصي شمال مدينة أمدرمان في السبعينات. حيث استدرجه الوجيه محمد ألياس ليصمم له لعدد من أقرباه تلك الفيلات في الحارة الثالثة التي أشرت إليها من قبل. لمجموعة من الكوارتة لم ينالوا حظوظاً متقدمة في التعليم. لكن نبوغهم الفطري وهمتهم العالية مكنتهم من أحراز نجاحات مقدرة في مجال المال والأعمال. مجد لم يكن جديد عليهم إذ أن عدد منهم كانوا أحفاد وأبناء (خلفاء) في ديارهم وموطنهم الأصلي في شمال البلاد. فخليفة السيد علي الميرغني هناك كان في مقام من يحملون لقب اللورد والسير في بلاد العم جون بريطانيا العظمي. عوامل مجتمعة بلا شك رفعت سقف طموحات كوارتة الحارة الثالثة من المنطقي أن تجعلهم راغبون في عكسه في عمارة بيوتهم.
نجح كمال في هذه المهمة بجدارة بالرغم التعقيدات الناتجة عن تعامله مع مجموعة مختلفة عما كان يتعامل معهم من قبل. مجموعة قبلية الهوية ذات خلفية تقليدية أمدرمانية الجزور ولد ترعرع جلهم في حي العرب شعبي الأجواء. زاد الأمر تعقيداً رغبتهم المستبطنة الملحة باللحاق بركب الحداثة. تجلت في سعيهم الحثيث للتعامل مع كمال عباس واحد من أهم رواد عمارة الحداثة حقبتئذٍ. الذي حازت عمارته على أعجاب أحد أقطابهم افتتن بها عند زيارته لفيلا صديق من تصميمه. هو الوجيه محمد إلياس الذي صمم كمال منزله ليدشن به ضربة البداية في مشروع بيوت مجموعة الكوارتة هناك. تدفق بعدها نهر الأبداع ليسطع بالتتابع في عدد من بيوتهم في أرجاء ذلك الجزء من الحارة الثالثة. لتكتمل لوحة معمارية بديعة زينت جبين الحي. استمتعت بروعة عمارتها الرصينة الأنيقة حداثية السمت عند ما طوف بي كمال في أرجائها في نهاية الثمانينات. عمارة راقية موشحة بجمال محسوب بعناية فائقة. تميزت بالإضافة لتلك السمات الجمالية بتوازن رائع هو سر عظمتها. مؤسس على اهتمام كبير وإحساس عالي بالأبعاد القيمية والمجتمعية التي هي أساس حياة مثل هذه المجتمعات التقليدية. معتمداً بشكل كبير على ما يعرف بالتنطيق المؤسس على تباعد وتقارب محسوب بعناية فائقة بين مكونات البيت. يسمح بتواصل أهل الدار مع عالمهم الخارجي بدون اجتراح لخصوصيتهم. ترتيبات فضائية أريبة اكتملت بمكونات ثانوية مثل كاسرات أشعة الشمس التي تخدم عدة أغراض. قيمية مؤمنة الخصوصية ومناخية تصد أشعة الشمس فتلطف الأجواء الحارة. أضاف إليها مساحات صغيرة من عروش (المارسليا) مؤشرات موحية (بالبرستيج) الفخامة مرغوبة في مثل هذه الحالات. مكونات ثانوية صار بعضها أشبه بالماركة المسجلة لعمارة كمال عباس.
بعد أكثر من عقد من الزمان في بداية التسعينات دخل كمال عباس في تجربة أخري شبيه إلى حد ما بتجربة كوارتة الحارة الثالثة. لكنها تختلف عنها في جوانب في غاية الأهمية. توثق لحالة رجل أعمال إقليمي ناجح دفعه طموحه وتطلعاته للاستقرار في العاصمة. التي بداء فيها أعمال كبيرة كانت مبشرة بخير وفير. تطورات كانت من أهم مستلزماتها دار تليق بمقام طموح كان يناطح السحاب. لا أعرف كثيراً عن تفاصيل بداية علاقته مع كمال إذ لم أكن موجوداً بالبلاد حينئذٍ. لكنني لاحقاً تابعت خطواتها الأولي عن قرب بحكم علاقتي اللصيقة به. حالة استثنائية في العديد من جوانبها المؤثرة للغاية إذا قارناها بمن تعامل معهم من قبل. فصاحب الفيلا مترامية الأطراف إدوارد أسعد أيوب رجل أعمال إقليمي نزح للعاصمة كما هو حال بعض عملاءه السابقين. لكنه مختلف عنهم في جزء أساسي من خلفياتهم في أنه قبطي مسيحي. بالإضافة للجانب الديني عرف إخوتنا الأقباط بسمات مجتمعية ثقافية متميزة ذات جزور تاريخية. جوانب مهمة معروف ضمناً إسقاطاتها المؤثرة علي عمارة المسكن. تعامل معها كمال عباس بحساسية فائقة وحنكة بالغة في تصميم فيلا إدوارد. الذي كان قد حقق نجاحات كبيرة في مدينة الأبيض حفزته للانتقال للعاصمة ليسطع نجمه فيها في المجالات التجارية والاقتصادية والصناعية. أرتقت به لمكانة سامية منافساً أقرانه من رجال الأعمال العاصمين. حالة استدعت ظهوره بمظهر يليق بمقامه من أهم متطلباتها داراً فخمة متميزة مهمة تصدي لها كمال عباس بجدارة. لتسطع عمارته المبهرة في فيلا مترامية الأطراف متفردة التصميم في مربع عشرة في حي الرياض في الخرطوم.
تتبعت مسيرة المرحوم كمال عباس خلال فترة قاربت الخمسة عقود من الزمان. كنت قريب منه جداً منه في مراحلها الأخيرة التي وضع نهايتها رحيله المحزن سنة 2017. رفقة جعلتني أكاد أجزم بأنه يمثل حالة معمارية لم ولن تتكرر مرة أخري. إذ توفرت فيه أثنين من أهم المقومات والمقدرات الأساسية التي تصنع المعماري الممتاز المتفرد. فهو متمكن للغاية في جوانب العمارة التقنية ميزة أحسب أنه أكتسبها من خلال دراسته للعمارة بجامعات شرق أوربا في ستينيات القرن. طورها لاحقاً بمثابرته ومتابعته المتصلة لكل ما يستجد في هذا المجال والشأن المعماري. التي تميزت بها عمارته بفضل نزعته الفطرية المتقدمة للتجويد. الجانب الثاني الذي شكل مقومات شخصيته المعمارية الفذة هو مقدراته وإحساسه الفني العالي. المؤسس على موهبة أصيلة طورها من خلال دراسته للعمارة. لاحقاً عبر ممارسته المتصلة التي يستعين بها لتطوير أفكار مشاريعه المتدفقة. صفات متميزة نادرة طورها عبر الزمان بمواكبته المتصلة لكل ما يستجد في مجال مكوني العمارة التقني والفني في إطارهما الفكري. ذخيرة ثرة من العلم والثقافة استثمرها بذكاء وحنكة فائقة في عمله المعماري بالغ التميز في فيلا إدوارد أسعد. الذي كشف لي العديد من جوانب شخصيته المعمارية الفذة. من أهمها سعة اضطلاعه ومتابعته لكل ما يستجد على المستوي المعماري الفكري. مما دعاني للإشارة إليه في أكثر من مقالة ستجدونها ضمن مواد موقعي الإلكتروني يمكن الوصول إليه عبر الرابط- drhashimk.com.
توفرت لمشروع فيلا أدوارد أسعد كل مقومات النجاح التي بذلها ذلك العميل السخي المتطلع لعمل معماري أسطوري. مساحة شاسعة تجاوزت الألف متر مربع وميزانية مفتوحة لم يكتف فيها فقط بتوفير المال اللازم. إذ عززه بفرصة متاحة لكمال للتسوق في أسواق البلدان الغربية. لاختيار أرقي مواد البناء كل ما يلزم الفيلا من الأدوات والإكسسوارات المعمارية. تسهيلات بازخة فتحت شهية كمال للعمل جعلته يحلق مطوفاً في رؤي أقرب للخيال بمقاييس ذلك الزمان في بداية التسعينات. محمولة على أجنحة طموحات إدوارد أسعد المرتكزة هلي خلفية تراث إخوتنا الأقباط. هو يسابق الزمن لمنافسة أقرانه من رجال أعمال العاصمة الذين حل بينهم قبل عدة سنوات من مدينة الأبيض. معطيات استوعبها كمال عباس هو مقبل علي هذا العمل المحفوف بالتحديات. استوعب معها خصوصية مزاج أهل حي الرياض. الذي خصصه نظام مايو في نهاية السبعينات وزع قطعه السكنية لكبار موظفي الدولة بالإضافة لعدد من أميز رجال الأعمال. نخبة تعتبر من صفوة مجتمع العاصمة بمقاييس ذلك الزمان. خلفية انعكست بصورة واضحة علي عمارة دورهم التي اتسمت بدرجة عالية من الرقي المقترن بأناقة فائقة. لا غرو في ذلك إذ ظهرت في زمان كان أستاذنا عبد المنعم مصطفي عراب عمارة الحداثة السودانية في قمة تألقه. الذي نثر بعضاً من درره المعمارية في أرجاء الحي. واقع معماري أستوعب كمال جيداً سماته وملامحه واضعاً معها في الحسبان مزاج عميله المختزن من تراث أسلافه.
أقبل كمال عباس علي تصميم فيلا إدوارد اسعد بروح محتشدة بكل تلك المؤشرات. متعاملاً معها بطريقة أفذاذ الأزمنة القديمة حقب مراحل عصر النهضة الإيطالية. بأسلوب الفنان الشامل من أمثال عبقري زمانه كل الأزمنة مايكلأنقلو. ليتعامل مع الفيلا بموقعها مترامي الأطراف بحنكة وإحساس المخطط العمراني والمصمم البستاني والمعماري والمصمم الداخلي. المدهش هنا تعامله معها أيضاً بثقة فنان تشكيلي شامل متمكن من كافة ضروب ذلك المجال الإبداعي تحديداً النحتية واللونية منها. معروف ضمناً المردود الرائع لمثل هذه الأعمال الإبداعية عندما تكون تحت سيطرة شخص واحد متمكن من كل جوانبها. هذا هو عين ما حدث في حالة فيلا إدوارد أسعد إذا ما تأملنا بعمق كافة مكوناتها وأبعادها هو ما سأحاول أن أنجزه هنا. إبداع بداء بمكونها البستاني الذي قدم فيه أفكار جديد مبتكرة للغاية. منتقلاً بعد ذلك للمنطقة الأمامية للموقع التي يوجد فيها مدخل الفيلا الرئيس من الناحية الغربية جزء منها مخصص لمرور السيارات. عمل كبير منطقة دخول خارجية ملوكية الأجواء. تشهق تنهض أمام مبني الفيلا فوق مدخلها الرئيسي مظلة خرصانية عملاقة معلقة ترفرف فوق مدخلها بطريقة احتفالية. جزء من المشروع يحمل سمات مكونات التصميم الحضري مجسراً الهوة المصطنعة بينها وبين المكونات المعمارية. مظلة خرصانية مكسوة بأرقي أجمل أنواع الرخام الإيطالي. تلامس واجهات الفيلا الموشحة بنفس نوع الرخام ليقدما معاً لوحة مسترسلة من أروع أعمال النحت العملاقة.
واحد من أهم عناصر هذه الدراما المعمارية غلاف كتلة الفيلا المسيطر على المشهد. كجزء أساسي من التصميم يلف المبني المصمم علي شكل حلقي محيط بصحن داخلي معروش. فكرة أساسية في التصميم نابعة من معطيات دينية وثقافو- مجتمعية كما سنوضح لاحقاً بشي من التفصيل. تحرر كمال في تعامله مع هذا الغلاف من قيود عمارة الحداثة الصارمة صندوقية المنحى أسيرة الزوايا القائمة. لينطلق في الفضاء من حوله يتعامل معه بنهج حركي متحرر. إذ تتعرج أسطح الغلاف في كل الاتجاهات هي تلف كتلة المبني. مفسحة المجال لأبواب هنا وهناك تقود لشرفات أو بلكونات مطلة على الحديقة. تحايل على حيطانها القصيرة الطرفية (الدرابزينات) فحد من تأثيرها في فرملة كتلة المبني بجعلها شفافة. فسمح لها بالتحليق بحرية من خلال تعرجاتها المتواصلة. لجاء هنا لحيلة ذكية لملمت أطراف غلاف المبني المتعرج. مستعيناً بأعمدة بارزة تحمل الشرفات في رشاقة وأناقة فائقة. تعمل مثل (هِلب) المراكب الشراعية الذي يمنع انجرافها مع الأمواج من حولها. كأني به هنا استخدمها لتمنع كتل المبني من الخروج من مسارها والتحليق في الفضاء الفسيح المحيط بها. ترسم هذه المعالجات لوحة تجريدية مذهلة التفاصيل. بعض منها أشبه بمقاطع من سيمفونية عربية تراثية مطرزة بنغمات شبيه بتقاسيم آلة القانون حادة النبرات. تفاصيل منمنمات صغيرة بارزة على سطح غلاف المبني أشبه ب (نونات) على خد أسيل لحسناء فتانة معتدة بجمالها. المعالجة المعمارية هنا فيها موازنة مدروسة بعناية. تسترضي الحداثة بإيغالها في التجريد. لتهرب منها أحيناً إلى تفاصيل خارج النص كأنها تغازل مزاج إدوارد أسعد.
اختيار كمال عباس للشكل الحلقي لتصميم خارطة الفيلا لم ينشأ من فراغ. الواضح أنه جاء متسقاً مع تعاليم دينهم كأول حالة يتعامل فيها مع أسرة مسيحية قبطية. تعاليم بالرغم من التزامهم بقيمهم لا تفرض قيودا صارمة تحد من اختلاط الجنسين وأفراد العائلة مع ضيوفهم. ضوابط الصارمة تشكل تحديات في تصميم بيوت العائلات المسلمة بالذات التقليدية المحافظة جداً منها مثل التي كان يتعامل معها كمال من قبل. هامش التحرر المتاح من تلك القيود في حالة فيلا أدوارد جعل كمال يتبني تصميم الفيلا الحلقي الذي أبدع في توظيفه بشكل مدهش. المؤسس على صحن وسطي معروش تلتف حوله تطل عليه غرف الدار الموزعة في طوابقه المتعددة. بشكل يسمح لمن هم في الطوابق العليا بمتابعة ما يجري في الطابق الأرضي من على. متيحاً لهم قدراً من التواصل لا ينتقص من خصوصيتهم. لهذه الأسباب مجتمعة وأخري لا تقل أهمية أولي كمال هذا الصحن جل اهتمامه مقتنعاً تماماً بأبعاده الثقافو-مجتمعية المهمة. فسكب فيه كل فنه وإبداعه باعتباره واجهة الدار الداخلية أول ما يقابله الزائر. لهذه الأسباب استعرض فيه تجليات إبداعه في مجالات تجاوزت حدود تخصصه الأساسي في مجال العمارة. أثبت فيه علو كعبه في مجالي العمارة الداخلية وتزيين المباني بشكل مبتكر غير مسبوق. الأهم من كل ذلك أنه بلا شك أرضي غرور عميله صاحب الفيلا الوجيه إدوارد أسعد. إذ طوف به في أفاق تلامس عوالم إرث أجداده الأقباط مستدعياً جمالياته المترفة. بذلك نجح كمال بجدارة في أن يصنع من ذلك الصحن الذي أصبح منطقة الاستقبال الرئيسة واجهة مشرفة للغاية لأهل الدار. فلنطوف معاً نستكشف أجزائها المتدفقة إبداعاً وفناً.
منطقة الصحن الوسطي مترامية الأطراف هي أول ما يقابله الداخل للفيلا. جعل منها كمال ساحة استقبال داخلية رحبة قسمها لعدة أجزاء فصل بينها باختلاف بسيط في مستوياتها. موظفاً هذا الاختلاف بذكاء ليكسر الملل داخلها ولأسباب أخري ذكية. تحيط بالمنطقة الوسطي الواسعة منها المنخفضة أجزاء أخري صغيرة تسمح بجلسات جانبية. وظف كمال هنا التلاعب في مستويات أجزاء الصالة بذكاء. فالجزء الأوسط الكبير هو أقلهم مستوي مما يمنح الجالسين فيه إحساس بالاحتواء بدون حوجه لحيطان أو فواصل. معالجة فضائية ذكية تضفي على ذلك الجزء من الصحن دفق من الحميمية مستحب في أجواء الضيافة والاحتفاء بالزائر. التلاعب بالمناسيب يحقق أهداف أخري مهمة. إذ يساهم إلى حد ما في الفصل بين منطقة الصحن الوسطي وما يحيط بها من مكونات الخدمات مثل المطابخ والحمامات. توظيفه الذكي للمناسيب يدل على فكر متقدم قل إن نجده عند من تخصصوا في مجال العمارة الداخلية. لم يكتف بها كمال بهذه المعالجات الفضائية الأريبة في منطقة الصحن الوسطي. إذ نثر إبداعاته فنونه فيها بشكل غير مسبوق ليثبت علو كعبه في مجالات العمارة الداخلية وتزين المباني. أضفت على هذا الجزء من الفيلا ألقاً وجمالاً يليق بمقامها باعتبارها واجهة البيت الداخلية. الأهم من ذلك أنها أرضت غرور تلك الأسرة القبطية وزوارها من الأهل والأصدقاء. جعلتهم بشكل غير مباشر يشعرون بانتمائهم لجزورهم العريقة التليدة. عبر لمسات فنية غير مسبوقة جعلت إدوارد أسعد بلا شك يشعر بالاعتداد بين أقرانه رجال أعمال العاصمة الذين سبقوه على ذلك الدرب.
اعتمد كمال عباس في تصميم فيلا إدوارد أسعد استثمر في العديد من خصاله النادرة التي ميزته على جل أقرانه المعماريين السودانيين. المؤسسة على استعداده الفني الفطري وعلمه الراسخ المعزز بمواكبة متصلة في كل ما يستجد فيه. لكأني به هنا في تصميم الفيلا استدعي كل ذلك المخزون العلمي والفني وسكبه في رحاب بهو دخول صحنها الوسطي. مستعرضاً فنه ونزعته الابتكارية العارمة في رحاب أرضياته المنبسطة. مستدعياً تراث عصور كلاسيكية كانت من مرتكزات إرث الأقباط جاءتهم مع ديانتهم من الإمبراطورية البيزنطية. استلهمها موظفا أرقي وأجمل أنواع الرخام الإيطالي ليفرش به أرضية الصحن. في تشكيلات زخرفية بديعة غازل فيها تراث فنون العمارة البيزنطية. لينفلت منها كما عودنا دائماً محرراً نفسه من فخ النقل الحرفي مبتكراً تصاميم حداثية الهوى. قمة إبداعه وأعماله الزخرفية في ذلك البهو الوسطي سطعت على أسطح الأعمدة الضخمة التي تتوزع في أرجائه. بعضها أعمدة رئيسة تحمل عرش البهو أخري استعان بها كجزء من شبكة أنابيب نظام تكييف الهواء. سخرها لأغراض أخري غلفها على نحو غير مسبوق لتشع تبرق مضفية أجواء من الألق والحيوية فوق التصور. سكب فيها كمال كل فنه قمة إبداعه في تشكيلات زخرفية بديعة ليضع نفسه علي راس قائمة المزخرفين السودانيين. طرزها بقطع صغيرة متعددة الأشكال في تشكيلات تجريدية من قطع المرايا والمعدن البراق. جعلها تشكل ثناية بديعة مع رصف الأرضيات تضفي على ذلك البهو نفحات من الألق والحيوية.
حاولت هنا أن أسلط الضوء على ظاهرة بالغة الأهمية لها علاقة بمسيرة عمارة الحداثة السودانية في واحدة من أدق منعطفاتها. من خلال تجارب إشراقات إثنين من أميز أساطينها في وقفة مهمة استعرضت فيها بعضاً من أعمالهم المتفردة. لأننا نحتاج دائماً لمثل هذه المراجعات التي تنظر في مراحل من مسيرة ذلك التوجه أملا في أن نستفيد من دروسها القيمة. كان هذا هو هدفي الأساسي من هذه المقالة التي سلطت فيها الضوء على مرحلة من مسيرتها تستحق التوقف عندها. معنية في إطار ذلك التوجه بظاهرة تجاوب شرائح مجتمعية تقليدية معه. من خارج إطار الصفوة الذين يتقبلونه كجزء أساسي من ثقافتهم. سعيت للتعرف على هذه الظاهرة من تجارب إثنين من أهم أساتذتنا الكبار مع هذه شريحة المجتمعية. الذين نجحوا في التعامل معها بحساسية فائقة جعلتهم يتقبلوا التوجه الحديث بصدر رحب هم فخوريين به. ما قمت به هنا يستعرض حالات محدودة العدد تركز على تجارب إثنين فقط من أميز معمارينا. عمل جهد يفتح الباب لتكراره بالنظر في حالات أخري. يفتحه على أوسع نطاق للتعرف على ردود الأفعال نحو طرازات معمارية أخري قامت مناهضة لتوجه الحداثة. تنكبت درب مدارس جاءت في إطار توجه عريض عرف في العالم الغربي باسم ما- بعد- الحداثة. كنت قد تناولت استعرضت بعضاً من نماذجه السودانية. كلي أمل في أن يتم تسليط الضوء عليها على النحو الذي ركزت فيه علي عمارة الحداثة. سيكون بلا أدني شك عملاً مفيداً معمقاً إذ تم تناوله من منطلقات ثقافية ومجتمعية وفكرية. إذ لم يتقدم بعضكم للاضطلاع بهذه المهمة سأتصدى لها. في عمل سيكون عنوانه قريب من عنوان هذه المقالة في سياقها لكنه سيستشرف أفاق جديدة مختلفة.
البروفيسور مشارك دكتور معماري/ هاشم خليفة محجوب
أمدرمان- ديسمبر 2021