كمال عباس يتفوق على نفسه في فيلا إدوارد أسعد بحي الرياض
كنت في مراحل عمري المهني الأولى ابحث دائماً عن تعريف يلخص لي ماهية العمارة. فهداني تفكيري المستمر بأنها في لحظات تجلياتها توثق لحالة زواج سعيد بين الهندسة والتقنية من جانب والفن من جانب أخر. كرت سنوات عمري المهني وبعد عقد من الزمان خضت تجربة دامت لسنوات خلال فترة تحضيري لدرجة الدكتوراه بأحد الجامعات البريطانية. فتحت ذهني على أبعاد وعوالم معرفية وفلسفية مدهشة. كان لها دور مؤثر في مراجعة نهج تفكيري وفهمي لعدة قضايا متشابكة كانت العمارة تحتل فيها موقعاً مركزياً. من أهم تداعياتها أنى بدأت أراجع بضع قناعات كانت مترسخة في ذهني. تسببت في قصور في فهمي للعديد من الأمور. من أهمها العمارة نفسها محور تفكيري الأساسي. بدأت أتراجع عن تعريفي السابق لها الذي أشرت إليه من قبل. توصلت لقناعة في الوقت الحالي وتخليت عن فكرة ذلك الزواج السعيد. أضفت لهذين القطبين مكون أخر هو الثقافة لكي يشكلوا معاً شراكة ذكية. على أن تفهم الثقافة هنا بمعناها العريض العميق. الذي يضم بين ضفافه العديد من الجوانب التي ترتفع بالإنسان وعوالمه الإنسانية إلى أعلى المراق. من قيم وأعراف ومزاج وأشواق وهواجس وما شابه من ذلك. التي تشكل في مجملها عالمه الخاص والعام. فلنجعل هذه المفاهيم والقناعات هي مدخلنا للإطلال على عوالم المعماري الفذ المميز المرحوم كمال عباس من خلال واحد من أميز أعماله.
رحل كمال عن دنيانا الفانية قبل عدة أعوام مخلفاً ورائه إرثاً معمارياً فائق القيمة. صار من أهم ما يمكن أن نقوم به تخليداً لذكراه العطرة أن نوثق لتجربته. من خلالها نسعى في البدء للتعرف على جوانب شخصيته الفذة. انطلاقاً منها للنظر بعمق في كافة جوانب أعماله وأسلوبه المتفرد. نزرت نفسي قبل فترة من الزمان لهذه المهمة المتعددة الجوانب والمحفوفة بالتحديات. لم أتصدى لها بدافع التطفل وحب الاستطلاع بالرغم من أنها دوافع مشروعه ومحبذة في هذا السياق. أهلتني لهذه المهمة عدة معطيات أساسية من أهمها طبيعة تخصصي العلمي التي تضعني بارتياح في مقام المؤرخ والموثق والناقد. المبرر الأخر الذي لا يقل أهمية هو معرفتي اللصيقة به التي دامت لقرابة الثلاث عقود من الزمان وحتى أوان رحيله المؤسف. بلغت العلاقة بيننا درجة أنه كان أحيناً يكاشفني بمشروعاته القادمة ونهج تفكيره الذي سيتعامل به معها. في بعض حالات اصطحبنى معه في تطواف لأعماله المميزة. مكنني قربى اللصيق به من التعرف على فهمه العميق للعمارة. المقترن بمعرفة متقدمة بتقنياتها التي أردها لطبيعة دراسته بشرق أوربا التي تركز على هذه الجوانب. بالإضافة إلى ذلك لمست فيه فهم معمق لأبعادها الجمالية الفنية. أستكمله بمقدرات شخصية عالية إذ كان ملوناً بارعاً متفوقا بذلك بمراحل على باقي أقرانه المعماريين. تفاعلت أنا من جانبي مع كل ذلك الزخم المدهش. فدبجت العديد من المقالات ذات الطابع النقدي تناولت فيها بعضاً من جوانب شخصيته والعديد من أعماله الخالدات. فلنجعل هذه المقدمة مدخلاً للتعرف على واحد من أهم أعماله بالغة التميز الذي ستعود بنا مرة أخرى لتعريفي المعدل عن ماهية العمارة. مستوعبين الثقافة بمعناها العميق الشامل.
العمل المشار إليه هنا هو فيلا الوجيه إدوارد أسعد أيوب المترامية الأطراف التي تحتل موقعاً داخليا إلى حد ما بمربع ثمانية بحي الرياض بالخرطوم. لم يقلل موقعها المنزوي من اهتمام كمال عباس الفائق بهذا العمل. الذي ساهمت فيه عدة عوامل بالغة الأثر. من أهمها البسطة الفائقة في المساحة التي قاربت الإلفين متر مربع والوفرة المتدفقة من المال الذي ضخه صاحب الفيلا في هذا المشروع. وتفاصيل أخرى كانت مؤثرة للغاية في النتيجة النهائية. على سبيل المثال اصطحابه لكمال في رحلة تسوق في بعض أنحاء أوربا. تم فيها إن جاز لنا التعبير اختيار وشراء ما لذ وطاب لصناعة عمارة فائقة الجمال والتميز. كل تلك الخطوات الأولية تنم عن اهتمام السيد إدوارد غير مسبوق بمشروع فيلته. كان كمال على قدر التحدي فأنتج عملاً لا أبالغ إن قلت إنه من أميز ما تم إنجازه في مجال عمارة الفيلات في السودان. واحد من أهم أسباب نجاحه متابعة كمال اللصيقة للعمل واهتمامه الشخصي بكافة التفاصيل. تميز أيضاً بعدة جوانب سنشير لها لاحقاً. تناولت هذا العمل من قبل في عدة مقالات مركزاً في كل مرة على جانب محدد. لهذا السبب أردت هنا أن أتوقف عنده وأتعامل معه بشكل شامل ومفصل.
شكل هذا العمل بالنسبة لكمال نوعاً جديداً من التحدي غير مسبوق. كانت حالة الوجيه إدوارد أسعد أيوب إلى حد ما شبيه بالعديد مثلها. مشابه لأخريات تعامل فيها بتفوق مع طبقة من التجار من أثرياء المدينة ممن استقروا فيها بعد رحلة نجاحات في بعض أقاليم السودان. هذه في حد ذاتها ظاهرة جديرة بالتوقف عندها درستها بعمق. تناولتها من قبل ووثقت لها في سياق استعراضي لبعض أعمال أستاذنا عبد المنعم مصطفى. جاء عنوان أحداهما: عبد المنعم مصطفى معماري (الإنتليقنسيا) وأيضاَ (الجلابة). الجلابة مصطلح يطلق عادة على طبقة من التجار الموفقين في مجالهم لكنهم لم يناولوا قسطا كبيراً من التعليم. لا يمكن اعتبار حالة إدوارد مشابه تماماً لتلك الحالات لان هناك بضع اختلافات مهمة. إذ انه تلقى قدراً من التعليم كما انه ليس بجلابي بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح. لأنه أنشطته جمعت بين التجارة والصناعة مع ميل أكثر للثانية لاحقاً. التي حقق فيها نجاحات مقدرة بداءً بمجال صناعة الدهانات أو البوهيات انتهاءً بإنجازات كبيرة في مجال صناعة حديد التسليح. وجه الشبه بينه وبين شريحة جلابة عبد المنعم أنه نزح للخرطوم من الأقاليم التي حقق فيها نجاحات مقدرة آملاً في أن يجد له موطئ قدم بين وجهائها. ثمة اختلاف مهم جداً بالنسبة لحالة فيلا إدوارد التي ميزها عن حالة هؤلاء الجلابة. إنها كانت أول مرة يتعامل فيها مع أسرة من إخواننا الأقباط. الذين نكن لهم كل الاحترام والمحبة فقد عرفوا بيننا دائماَ بالأدب الجم وحسن المعشر. مع احتفاظهم بخصوصيتهم النابعة من دينهم وأعرافهم. بذلك شكلت هذه الحالة لكمال تحدياً جديداً نجح في التعامل معه بحذاقة فائقة من كل الجوانب.
في هذا السياق من المهم تسليط الضوء على بعض الجوانب عن حالة هؤلاء الجلابة. تعرضت لها من قبل في سياق إشارتي لشريحة من زبائن عبد المنعم مصطفى. حسب علمي أن إدوارد جاء للخرطوم في الثمانينات بعد نجاحات مقدرة في أعماله التجارية في مدينة الأبيض عاصمة ولاية كردفان. لا شك أنه جاء موطناً النفس في أن يجد له موطئي قدم في العاصمة ومكانة مرموقة بين معشر وجهائها البارزين. في هذا الإطار يجب ألا نهمل خلفيته الحضارية والثقافية النابعة من انتماؤه لطائفة الأقباط ذات الجزور المصرية. المتحررة نسبياً بالمقارنة بمجتمعاتنا مع تحفظ يضبطه التزامهم الديني وتقاليدهم العريقة. يعود بنا الحديث في هذا الجانب مرة أخرى لمراجعتي وتطويري لمفهوم العمارة. من زواج سعيد يجمع التقنية بالفنون إلى شراكة ذكية تدخل فيها الثقافة بقوة بكامل معانيها ومضامينها كشريك مؤثر. سأتعرض لهذا الجانب وكيفية تعامل كمال معه بحساسية وحصافة بائنة لاحقاً بشئى من التفصيل. أقبل كمال على هذا العمل مدفوعاً بكل تلك العوامل. فترجمها في كافة جوانب التصميم والعديد من تفاصيله المدهشة المبهرة. في هذا السياق ومبلغ علمي من بعض مصادري أن كمال قد استعان بأخيه التشكيلي الأريب الأستاذ أحمد عباس في بعض جوانب هذا العمل الكبير. الذي ضج باللمسات الفنية والجمالية في عدد من أرجائه مترامية الأطراف. فأنتج في النهاية عملاً في غاية الإبهار الرزين الراقي. لو أنه كان في موقع مكشوف ومشاهد لكان حديث المدينة. من فرط إعجابي به درجت على التعامل معه كمحجة كنت في سابق الزمان أخذ طلابي أحيناً لزيارتها.
أكثر جانب لافت للنظر في هذا العمل الكبير أن عمارته الخارجية دخلت في منافسة محتدمة مع عمارته الداخلية. المفارقة التي تتجلى في أكثر من جانب من أهمها النقلة الطرازية. واقع الحال أن الأمر هنا أكبر من نقلة سلسة، إذ أن المعالجة الخارجية تكاد تكون على طرف نقيض من الداخلية. مثلاً، بينما نجد الخارجية تجريدية المنحى حداثية الهوى جاءت الداخلية مناقضة لها تغازل التراث من طرف خفي. تتمدد الاختلافات بشكل واضح لتشمل التباين اللوني والزخرفي. بالرغم من التشابه في خامة التشطيبات المستخدمة في الحالتين التي يغلب عليها الحجر الرخامي نجد هناك بعض اختلافات. فالخارجية يسيطر عليها لون واحد في كل أجزاء المبنى. داخلياً الأمر مختلف تماماً، فالأرضيات المرصوفة بالرخام تتميز بتشكيلات زخرفية ملونة في غاية الجمال مستوحاة من التراث. الزخم الزخرفي واللوني يتأجج ويشتعل في مواضع محددة داخل المبنى نتيجة لاستخدام خامات إضافية مبهرة. حيث تلتمع ومضات مبرقة من قطع الزجاج والمرايا لترتفع بوتيرة الإبهار لأعلى درجاتها. التباين الواضح بين المعالجات الخارجية والداخلية في هذا المبنى يميط اللثام عن جوانب من شخصية كمال عباس. من أهما النزعة المتمردة التي تجعله من حين إلى أخر يهرب من قطيع أقرانه المنضوين تحت راية نهج الحداثة. تشهد على ذلك بعض أعماله التي وضع فيها قدمه في الضفة الأخرى من المشهد المعماري مغازلاً تيار ما- بعد- الحداثة. بيت السفينة الرابض على شارع النيل في أمدرمان في الطرف الشرقي من حي أبو روف يقف شاهداً على ما أقول.
استثمر كمال عباس بشكل ذكي في البسطة المتناهية في المساحة والموارد المالية السخية المتاحة وكافة التسهيلات الأخرى. فأنتج عملا مبهراً بالغ التميز هو بلا شك ساهم كثيراً في إرضاء غرور صاحب الفيلا وتطلعاته المشروعة. يتجلى ذلك بشكل واضح في البدء في التعامل مع المساحات الخارجية وأعمال البستنة. بذل فيها جهداً مقدراً وأفكارا مبتكرة في الحديقة التي تحتل الجانب الجنوبي من الموقع. حيث خصص فيها مساحة لا بأس بها لبركة السباحة. جاء تصميم تلك المنطقة ومعالجة كافة تفاصيلها معبراً عن أجواء العظمة والفخامة. اكتملت الصورة بالتعامل مع المنطقة الأمامية للفيلا التي تفصل بينها وبين مدخل الموقع من الشارع الغربي. تتمدد فوقها مظلة خرصانية ضخمة مغلفة بالرخام. تنهض بارتفاع طابقين وتمتد من واجهة المبنى ومدخله الرئيس حتى تكاد تلامس سور الموقع في الجانب الغربي. لتشكل إضافة مهيبة لمدخل الفيلا معدة لاستقبال الزوار وسياراتهم. متجاوزة في التعامل معهم مستوى حالة الزوار المهمين باللغة الإنجليزية إل VIP لدرجة الاحتفاء ملوكي الطابع. عززت تلك الأجواء أعمال البستنة الخارجية الرائعة المجاورة. استثمر كمال عباس بشكل جيد في هذه المنطقة الأمامية. مصطحباً معها نمط حياة أهل الدار شبه المفتوحة التي تسمح بها مساحات دينهم المسيحي وتقاليد مجتمع الأقباط. فصمم حائط السور الأمامي الغربي المطل على الشارع بشكل شبه مفتوح. مستهدياً بالمثل الشائع- أما بنعمة ربك فحدث. فسعى بذلك لإرضاء غرور صاحب الفيلا. الذي اجتهد كمال وساهم من جانبه إلى حد كبير في تمكينه من احتلال موقع مرموق بين أقرانه من وجهاء المدينة من طبقة رجال الأعمال.
ظهرت أول بوادر تمرد كمال على أفكار ومسلمات وضوابط عمارة الحداثة في شكل المبنى العام ومعالجاته الخارجية. فقد حاول ونجح إلى حد كبير في الإفلات من قبضة بعض موجهاتها الأساسية. مثل الخطوط المستقيمة والزوايا القائمة التي تصنع المكعبات المتطاولة. فتلاعب بكتلة المبنى الرئيسة منفلتاً في حالات عديدة هارباً من الزاوية القائمة. مفضلاً عليها هنا وهناك ذات الخمسة وأربعين درجة على المستوى الأفقي والراسي. فحرر كتلة المبنى الرئيسة ومنحها درجة عالية من الحركية. بالإضافة إلى ذلك ومن ناحية أخرى أفلت من إسار مواد البناء والتشطيبات النمطية التي تصنع الواجهات. تحديداً ثنائية مساحات طوب (السدابة) المحاطة بعناصر المبنى الإنشائية الخرصانية-الأعمدة والأبيام. في سعيه المستمر والمستميت في صناعة الفخامة والأبهة استعان بأهم مقوماتها من مواد التشطيبات. فلجأ واستجار بأفخم أنوع الرخام الإيطالي ذو اللون البنى الفاتح الذي غلف به المبنى خارجياً. ففارق طوب السدابة الذي استعانت به عمارة الحداثة كمؤشر للزهد في إطار توجهاتها التي قدمت بها نفسها. تلك المؤشرات التي لم تكن ضمن حسابات صاحب الفيلا ولا المصمم الذي تقمص شخصيته هنا بنجاح وتوفيق ملموس.
يظهر المبنى ويجلس في موقعه في شكل كتلة واحدة شبه صماء لولا بعضاً من فتحات هنا وهناك. مما منحه منظر مهيب شبيه بالقلاع عزز من تأثيره تغليفه بالكامل بأفخر وأفخم وأجمل أنواع الرخام. أضافت تلك المؤثرات أجواء من الأهمية على المبنى يشار إلها باللغة الإنجليزية بأل prestige. بالإضافة إلى ذلك جعلته إحادية خامة التشطيبات الخارجية يبدو لكأنه قطعة نحت عملاقة. كتلته شبه المصمتة توحى بأنه منغلق على نفسه. هو في الواقع إلى حد بعيد ما كان يهدف إليه المصمم كما سنوضح لاحقاً. قلل من الإحساس بالانغلاق ببعض معالجات سعى من خلالها لتحقيق درجة من الانفتاح على محيط المبنى. حققها بتوفير إطلالة هنا وهناك ركز فيها على منطقة الحديقة وبركة السباحة المشتعلة حيوية. عبر شرفات أو بلكونات رحبة مطلة على تلك المنطقة. سعى لزيادة مساحاتها بأن جعلها محمولة على أكف الراح بأعمدة مصممة تحملها برفق وحنو بالغ. أتاح للجالسين فيها أكبر قدر من الأطلالة بأن جعل أطرافها زجاجية شفافة. التي خدمت أيضاً أهدافاً أخرى لا تقل أهمية. إذ سمحت لمن يرنو للمبنى من بعيد بالتمتع بمنظر انسياب مساحات الرخام المبهرة التي تلفه بالكامل.
نوهت من قبل إلى أن تصميم كتلة المبنى ومعالجاته الخارجية جاءت تجريدية المنحى حداثية الهوى. متسقة مع سمات عمارة الحداثة التي اكتسحت آروبا في نسق تصاعدي خلال النصف الأول من القرن العشرين. كانت بالتحديد متأسية إلى حد بعيد بمدرسة معينه من مدارسها. في هذا السياق يجب أن أشير لعدة شواهد أثبتت لي تعزيز كمال عباس لفهمه العميق بالعمارة بمواكبته المستمرة لمستجداتها. أكبر دليل على ذلك تعامله مع جوانب محددة من فيلا إدوارد أسعد تحديداً شكل المبنى العام وواجهاته الخارجية. إذ جاء نهجه هنا متأثراً إلى حد بعيد بمدرسة وطراز تأسس في هولندا في العقود الأولى من القرن العشرين. ثم أنتشر بعد ذلك في العالم الغربي وتعدى حدوده لاحقاً. سمى باللغة الإنجليزية بال Di Stijl وتنطق بالعربية دوستيل. دُشن في البدء في مجال التصوير أو التلوين على يد مؤسسه بيت موندريان. الذي اختزله في لوحاته في شكل مستطيلات بيضاء متعددة المساحات تفصل بينها خطوط سوداء مع استخدام محدود جداً للألوان الرئيسة. تمدد التوجه والطراز الوليد لاحقاً لمجالات أخرى من الإبداع بدءً بالنحت وتصميم الاثاثات ثم حط رحله في فضاءات العمارة. الذي ظهر فيها بنفس النهج الاختزالي الممعن في النقاء والتجريد. حيث لُخصت العمارة واختصرت في مسطحات نقية تتفاعل مع بعضها البعض ومع عناصر طولية أو أعمدة.
تناول كمال عباس القفاز في السودان وكان السباق في تبنى أفكار هذه المدرسة والطراز. أنزله على سبيل المثال لأرض الواقع في الجوانب المشار إليها من قبل من عمارة فيلا إدوارد أسعد التي تجلت في معالجاتها الخارجية. جاءت في مجملها عبارة عن مسطحات حائطية رخامية تتفاعل معها هنا وهناك أخرى صغيرة زجاجية شفافة. تصطف أمامها وتبرز في بعض مواضع أعمدة وأبيام مغلفة بنفس الخامة. لكن، وهو من دواعي فخرنا واعتزازنا أن نجد كمال هنا تعامل مع موجهات دوستيل بتصرف وروح ابتكارية عالية. على سبيل المثال تمرد على قيود الالتزام الصارم بالزاوية القائمة. منفلتاً منها أحيناً متبعاً مسارات الزاوية خمسة وأربعين درجة. فانطلقت مسطحات الحوائط تنساب بحرية ملامسة الفضاء من حولها مشكلة ثناية مع الأعمدة التي تغازله برفق. فعزفت تلك المكونات سيمفونية رائعة منحت العمل المعماري حيوية باذخة. زاد من حيويتها وثرائها بعض تفاصيل صغيرة بارزة طرزت الأسطح الحائطية الرخامية هنا وهناك. مدهشة، منظرها يشبه تلك الحالات التي حركت مشاعر شاعر غارق في الوجد والهيام يغازل محبوبته الفتانة. متغزلاً مرة في (الشامة الفي خديدها). مناجياً مرة أخرى يناديها مستعيراً كلمات شاعر ضاحية العيلفون الجاغيرو (أريدوا وأريد نوناته نوناتو ألفي وجناتو).
حالة تعامل كمال عباس مع مؤشرات حركة دوستيل يشار إليه باللغة الإنجليزية بال improvisation. سنظلمها إذا ترجمناها بكلمة ارتجال نسبة لما تحمله من مؤشرات سالبة. إلا إذا أضفنا لها كلمة لتصبح ارتجال إيجابي أو بناء. أشبهها بحالة مرتبطة بالأداء المسرحي يشار إليها بالخروج عن النص لصالح العمل الدرامي ككل. هي في حالات معينة محببة وذات مردود إيجابي. حسب علمي ورأى إن ممارستها تعتمد إلى حد بعيد على مؤهلات ومقدرات المؤدى الذي يقوم بهذا العمل. أرى أن عمارة فيلا إدوارد أسعد تقدم لنا نموذجاً معبراً عن هذه الحالة. باعتبار أن كمال كان في الأساس مؤهل تماماً لخوض هذه التجربة التي تجلى فيها وأبدع. أجد له مبررات مقنعة للتعامل معها على هذا النحو مستمدة من خصوصية هذه الحالة وخلفية صاحبها. بالرغم من انه من رجال الأعمال المتعلمين إلا أننا لا يمكن أن نصنفه باعتباره من شريحة (الإنتليقنسيا) أي حملة الشهادات العليا. عليه ليس من المستحب كموجهات لتصميم فيلته تطبيق معطيات ومخرجات تلك التجربة الأوربية بحذافيرها. هذا هو عين ما فعله كمال عباس الذي اكتفى بالاهتداء بمؤشراتها العامة. ثم أطلق لخياله العنان فروضها لتلائم هذه الحالة ومزاج صاحبها. تصرف كمال هنا أشبه بمن يتعامل بمرونة مع حالة طبق غربي آوربى. التزم بمكوناته الأساسية لكنه أضاف له البهار ثم تصرف في طريقة طهيه. انطلاقا من هذا المفهوم والتوجه قدم لنا هنا نسخة سودانية لعمارة الدوستيل.
جاءت عمارة فيلا إدوارد الداخلية إلى حد ما في نفس هذا السياق. لكنها اختلفت عنها بشكل واضح وجوهري في المرجعية التي تأسس عليها التصميم. الذي جاء مختلفاً تماماً وعلى طرف نقيض من طراز عمارتها الخارجية. تمدد التباين ليشمل جوانب عديدة من التصميم أساسها الطراز. فالعمارة الداخلية وعلى طرف نقيض من الخارجية لامست وغازلت الطرازات الكلاسيكية من طرف خفي. بدون أن ترتمى تماماً في أحضانها. هذا هو سر عبقرية كمال النابعة من اعتداده العال بنفسه وبمقدراته الإبداعية. التي تجعله دوماً يتعفف عن النقل الحرفي مهما كانت عظمة المصدر. استلهامه للطرز الكلاسيكية منح المكان هنا أجواء ممعنة في التفرد اضفى عليه القاً ووقاراً باذخاً. أرى أن هذه هو عين ما كانت تصبو إليه نفس صاحب الفيلا. الذي ما من شك في أنه أراد من خلالها أن يحتل مكان مرموقاً بين الصفوة من رجال أعمال الخرطوم وأن يتميز عليهم. اكتسب هذا العمل ميزة إضافية ليس لها نظير وسط شبيهاتها من الفيلات. تلك النقلة المدهشة بين العمارة الخارجية والداخلية، بين أجواء الحداثة وعوالم الكلاسيكية مما جعلها حالة استثناءيه نادرة. توقفت عندها كثيراً واستعرضتها من قبل في مقالة مطولة جاءت بعنوان (القديم داخل الحديث والعكس أيضاً صحيح). نشرتها في صفحة الفيسبوك وضمنتها في مواد موقعي الإلكتروني.
فكرة عمارة الفيلا الداخلية الأساسية عبقرية تدل على أن كمال قد قراء حالة عميله بعمق قبل أن يشرع في تصميمها. استوعب تفردها وكل جوانب خصوصيتها. فأعد لها فكرة جديدة لا تشابه أفكار فيلات أقرانه من رجال أعمال الخرطوم الأثرياء. مراعياً كافة متطلبات وتفاصيل حياة عميله وأسرته وأهله وأصدقائه من معشر إخوتنا الأقباط. تقوم الفكرة على صحن أو بهو وسطى رحب معروش يرتفع عرشه بارتفاع المبنى لطابقين. مستوعباً معه وحوله في الطابقين الأرضي والأول كل غرف ومرافق الفيلا. يتوزع عدد منها في الطابق الأرضي حول البهو. بعضها مخصص كجلسات جانبية مطلة على الحديقة وقاعة تناول الطعام وغرف نوم الضيوف بالإضافة لغرف الخدمات. بذلك أفسح المجال لتلك المنطقة الوسطى لتخصص بكاملها وتصبح منطقة استقبال مترامية الأطراف. تعامل مع تصميمها بحذاقة فائقة إذ جعل مستواها منخفضاً بمقدار ست درجات من مستوى الممرات التي تصلها بالمدخل وتحيط بها. هي بلا شك خطوة تصميمية مؤثرة للغاية. إذ جعلت بهو الاستقبال يبدو وهو مضجع هناك لكأنه في حضن الفيلا والغرف التي تطوقه مما يرفع درجة الإحساس بالحميمية هناك. مهياً بذلك أنسب الأجواء لأفراد الأسرة ليلتئموا فيه معاً ويلتقوا أيضا بضيوفهم في محبة وإلفه. تَجمعهم هناك بلا شك يجلب السرور لباقي أفراد الأسرة في الطابق الأعلى. إذ يتيح لهم التصميم سبل التواصل مع من هم في البهو والمشاركة من على البعد عبر إطلالة من شرفات طابقهم. تعامل كمال بحساسية فائقة مع مثل هذه التفاصيل يعلى من مقدار عمارته. لأنها استوعبت ولبت بإحساس عال وحصافة مطلوبات واستحقاقات عميله الثقافية والمجتمعية والوجدانية.
التوجه صوب الفيلا ودخولها ثم التربع في ذلك البهو الوسطى منخفض المستوى يعبر بالمشاهد في رحلة طويلة عبر الزمان. تجربة تأخذ صاحبها في رحلة بالمقلوب في الاتجاه المعاكس. تنقل المرء في البدء من أجواء النصف الأول من القرن العشرين المفعمة برياح الحداثة. لزمن يحمل ملامح القرون الوسطى فإذا به وسط أطر شرق أوسطية النفس محتشدة بزخارف مستوحاة من عصور قديمة. أدخل كمال نفسه في رحاب ذلك البهو الوسطى مترامي الأطراف في تحدى جديد. أعد له المسرح مسبقاً بعناية فائقة مبتدأ بأرضيته التي اُدخر لها أفخم أنواع الرخام الإيطالي. هيائها لعمل درامي معماري جاء مكونه الزخرفي مستوحى من طرز كلاسيكية. ارتكز عليها ثم حرر نفسه بعض الشي من إسارها ليحلق في أفاق حداثية. لينتج عملاً زخرفياً هجيناً يضج حيوية استعرض فيه مقدراته الفنية المتدفقة. في لفتة ذكية استبدل هنا التعقيد الزخرفي بثراء لونى إذ أدخل منظومة من ألوان متنوعة. فاستعرض مرة أخرى مقدراته الإبداعية وعلو كعبه فيها. كل ذلك الزخم الفني الجمالي لم يكن هو أخر سهامه إذ ادخر لنا منها ما هو أروع في مكان غير بعيد من ذلك البهو الوسطى.
استثمر كمال بذكاء في بعض العناصر الإنشائية هي تلك الأعمدة الضخمة التي تحمل عرش المنطقة الوسطى. استغل ضخامتها وزاد عليها ليوظفها في مآرب أخرى خدمية وتزينيه كان لها أبلغ الأثر. بالإضافة إلى ذلك لعبت تلك الأعمدة دوراً مهما ذو قيمة رمزية عالية تبرر الاهتمام بها. إحاطتها بالبهو في أركانه الأربعة يجعلها تبدو كما الأوتاد. معززة ومؤكدة دور تلك المنطقة باعتبارها مركز الثقل والقلب النابض لحياة الأسرة المجتمعية. التي تجمعهم مع بعضهم البعض ومع أطراف بعيدة من معشر المجتمع القبطي وكافة المعارف من خارج إطاره. هذه فقط بعض جوانب بالغة الأهمية يجب الإشارة إليها. نلتفت للجانب الجمالي الإبداعي الذي ضجت به أسطح تلك الأعمدة الضخمة. التي تنهض من جنبات البهو لتخترق الفضاء ناهضة لارتفاع طابقين لتحمل سقف العرش الخشبي الجميل. استثمرها ووظفها بحنكة بالغة الأثر لأكثر من غرض. وظفها في البدء لخدمة أغراض خدمية فاستوعب في جانب منها أنابيب التكييف بطريقة مخفية. زاد عن ذلك بأن أستثمر في أسطحها لأضافه لمسات تجميلية مذهلة. كساها وطرزها بأروع الأعمال الزخرفية جريئة الفكرة حداثية المنحى لا أبالغ إذ قلت إنني لم أرى أروع منها. عمل تجريدي تتنافس فيه جنباً لجنب قطع صغيرة من الزجاج والمرايا متعددة الأشكال والألوان مكونة لوحات فسيفسائية النسق. فيلتمع ذلك الشريط الرأسي المبرق المشرئب المنتصب في أطراف البهو في مشهد درامي رائع. مؤكداً أهمية تلك المنطقة باعتبارها مركز الثقل الأسرى والمجتمعي. تفوق كمال هنا على نفسه وهو يبرز طاقاته الإبداعية الجمالية ويوظفها لخدمة أهداف نبيلة. تركيزه على هذه المنطقة المركزية في الفيلا له مغزى مهم للغاية. إذ يؤشر بوضوح على عظيم اهتمامه بالدورالثقافومجتمعى الذي يشار إليه باللغة الإنجليزية بال sociocultural factor في صناعة العمارة.
أعود هنا مرة أخرى لألخص ما سقته عن هذا العمل بالغ التميز في محاولة لتقويمه على ضوء ما ترسخ في ذهني من مفاهيم. كما أشرت من قبل تبلورت في ذهني خلال سنوات مسيرتي المعمارية الأولى رؤية محددة تعرف ما هيه العمارة. التي لخصتها بأنها في حالات تجلياتها هي عبارة عن زواج سعيد بين التقنية والفن. بالرغم من إقراري لاحقاً بقصور هذا التعريف إلا أنى أجده إلى حد كبير مناسب لوضع أساس مقبول لتقويم العمارة. مقدرات كمال العالية في التعامل مع المكون التقني أثبتها بجدارة في أكثر من عمل تحديداً من خلال تعامله المدهش مع التفاصيل. أما ما يلي الجانب الفني فقد قدم الكثير مما يشير لعلو كعبه وإحساسه المتقدم. الذي يتجلى بوضوح في معالجته لكتل ومكونات العمارة. عزز كسبه في هذه المجالات برؤى إبداعية متفردة تشهد بها عمارة فيلا إدوارد. في هذا السياق كنت قد أشرت من قبل لمقدراته الشخصية الفنية المتقدمة. التي تظهر بوضوح في حساسيته العالية في التعامل مع الألوان. تتجلى في بعض أعماله المدهشة ذات المنظومات اللونية الجريئة المحسوبة بدقة. التي نفتقدها في مجمل عمارتنا نتيجة لتمترس جل معمارينا خلف حوائط فكر الحداثة العالية. التي يتعللون بها لإخفاء قصور بائن في الإحساس والمقدرات الفنية. مما جعلنا نعيش واقعاً ومشهداً معمارياً بارداً باهتاً بائساً لا لون له ولا رائحة. تسبب في إعراض جل الناس عن مخرجاته مما جعلهم يبحثون لهم عن بدائل تخاطب أذواقهم وأشواقهم. نفتقد الآن حقاَ لمثل مواهب ومقدرات الراحل كمال عباس ونحن نواجه حالة الجدب والبؤس المعماري الحالية. التي تتفاقم في زمان أنتاج المعماريين بالجملة ما يشار إليه باللغة الإنجليزية أل mass production.
كما أشرت من قبل حدث تطور لاحق في مجمل مفاهيمي سعيت من خلاله للتعرف بعمق عن ماهية وطبيعة العمل المعماري. حيث استوعبت الثقافة بمعناها الشامل والعميق كضلع ثالث مع منظومة التقنية والفن. جَلبت هذه الإضافة معها درجة عالية من التعقيد نسبة لطبيعة صعوبة فهم واستيعاب ما هو معنى بالثقافة في هذا الإطار. فالأمر يلفه الكثير من الضبابية والغموض بالذات بالنسبة لمعشر المعماريين في بلادي. الذين رضعوا من ثدي التوجه العلماني خلال دراستهم للعمارة وفق مناهج محدودة ومنقوصة الرؤى. تُعرف الثقافة بطريقة مبسطة بأنها تنقسم إلى قسمين- محسوس وملموس أو مادي وغير مادي. يشار إليهما باللغة الإنجليزية بال tangible and nontangible. الملموس هنا كل ما يمكن الإمساك به وقياسه بشكل مباشر. ما عدا ذلك يصبح هو المحسوس. أشير لبعض من جوانبه التي تعتبر مؤثرة للغاية في إطار حديثنا عن العمارة. مثل القيم والأعراف والتقاليد. يجب ألا نغفل في هذا السياق المزاج لما له من مردود مهم. أضيف إليها جوانب أرى أنها في غاية الأهمية. مثل الأشواق أي الأماني أو التطلعات وكذلك الهواجس أو المخاوف حتى وإن كانت متخيلة وغير حقيقية.
كلها جوانب أرى أنا مؤثرة بشكل كبير في تشكيل العمارة الرصينة بكامل مكوناتها وتفاصيلها وخصائصها. لا تجد مثل هذه الآراء كثير اهتمام أو تقدير ممن تربوا في كنف التوجه العلماني. بل أن الكثير منهم يقابلها بالاستخفاف والرفض. مبررهم الأساسي هو عدم إمكانية التعامل مع مثل هذه الظواهر بوسائل القياس المعروفة. هذا الموقف المعيب هو واحد من أسباب إخفاقات عمارة الحداثة الثى أفرزها النهج العلماني. في محاولة منى لتقريب وجهات النظر أرى أن نتعامل مع مكون الثقافة بفهم جديد. أرى، وهي وجهة نظر أعتبرها وجيهة أن نعتبر العمارة تشكل الجانب الملموس من المعادلة للجانب الأخر الغير ملموس. الذي يقدمها بشكل مادي يعكس كل أو قل العديد من جوانب الثقافة التي أشرت إليها من قبل. سأحاول في إطار عملية هذه المصالحة أن أستوعب القطبين الذين كنت أحسبهم أساس تعريف ماهية العمارة وهما التقنية والفن. مهمة صعبة ومعقدة لكن لا بد من أخذها في الاعتبار بجدية لأنها تمثل المدخل السليم لفهم العمارة. سأستعين في إنجازها، أو واقع الحال إنني استعنت بالفعل في تحقيق ذلك الهدف من خلال استعراض العديد من جوانب عمارة فيلا إدوارد. التي يمكن إعادة قرأتها على هدى بعضاً مما أشرت إليه هنا.
تحدثت على سبيل المثال كثيراً وأشرت هنا لما أحسبها أماني وأشواق حركت الوجيه إدوارد وهو يبتاع تلك الأرض في مربع حداشر بحي الرياض. جعلته يصرف عليها من حر ماله بسخاء غير معهود ويبذل لها أغلى وأجمل مواد البناء المستوردة. اعتقد أن أهم أهدافه وأمانيه وأشواقه كانت أن يجد له موقعاً متميزاً في مجتمع العاصمة وبين أقرانه من رجال أعمالها المرموقين. أعتقد أيضاً بأن كمال كما شرحت من قبل بشئى من التفصيل نجح إلى حد بعيد في أن يحقق له الكثير من تلك الأماني والأشواق. قياساً بما قدمه من عمل رائع وظف فيه عصارة علمه وقمة إحساسه ومقدراته الفنية. حلق فيه بجناحي التقنية والفن ومستصحباً معه مؤشرات خلفية صاحب الفيلا الثقافية. وفق في التعامل الفطن مع معطيات ذلك الثالوث، التقنية والفن والثقافة بذكاء فترجمها في عمل معماري مكتمل الأركان. لو أن موقعه كان متاحاً لمشاهدة عدد كبير من الناس لصعد بنجم إدوارد أسعد أيوب لأعلى المراق وهو غاية ما كان يتمناه.
البروفيسور مشارك دكتور معماري/ هاشم خليفة محجوب
أمدرمان- يناير 2020