محمد حمدي يتعاطى مع العمارة بإحساس فنان مبتكر
قاربت فترة علاقتي و معرفتي اللصيقة بالأخ الأكبر الحبيب المعماري المتميز الأستاذ محمد محمود حمدي النصف قرن من الزمان. فارق السن بيننا خلق علاقة متميزة في البدء عندما عرفته عن قرب في اطر عائلية عندما أقمنا معاً في حي أم درماني عريق. جمعت بيننا زمانئذٍ علاقة أسرية ودية جسرت فارق عمر الوهمي الذي كان يفصلنا. جمعت بين طفل غر و شاب مترع بالطموح المحمول على أكف مخزون فني موروث و قدرات فنية متوثبة. عرفته في المرحلة التالية بعد أكثر من عقد من الزمان في رحاب مراسم قسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم. كان طرفيها طالب مُجد متشوق للعلم و المعرفة و أستاذ لم أجد له نظير طوال سني دراستي و عملي كأستاذ. كان ينافس فيها تواضعه الجم و مشاعره الإنسانية الحانية علمه المتدفق الثرى. الذي كان يتنزل برداً و سلاماً على كافة طلابه. ظل يشملنا برعايته المثمرة التي تواصلت حتى مراحل ممارستنا الأولى للعمارة. التي شملني فيها مع بعض رفاقي بحظ وافر حتى قوى عودنا و استوت قامتنا المعمارية. تطورت العلاقة لاحقاً بشي من الندية مع حفظ المقامات. فتعاملت معه في مكتبه الاستشاري في نطاق محدود لفترة قصيرة. تطورت العلاقة بعدها في إطار واقع جديد مختلف قوامه اهتمامي و تركيزي على التوثيق لرموز العمارة السودانية. أحسب أنني استفدت كثيراً و استثمرت جيداً في كل مراحل فترات علاقاتي السابقة معه. التي منحتني فرصة ذهبية في التعمق في هذه الحالة الدراسية.
أنعم الله على أستاذنا محمد حمدي بجينات مترعة بالزخم و الحس الإبداعي الفني الذي ورثه من أكثر من فرع من فروع أسلافه. أفاض عليه بها جانب من أهل والدته الذين لمع منهم خاله في الخمسينيات كأشهر أستاذ فنون في أهم المدارس الثانوية. خلال فترة كانت خدمة تدريس مقررات تلك المادة الدراسية فيها تضاهى ما تقدمه كلية الفنون في زماننا الحالي. يبدو أن جانب من جيناته كان بطريقة ما حصيلة مقدرات و مواهب والده الطبيب المرموق حقبتئذٍ. الذي كان أديباً مفوهاً و شاعراً غريداً و عواداً ماهراً. الواضح أن خلفية تلك الجينات متعددة الأبعاد وفرت له أرضية خصبة. ترعرعت فيها مواهبه الكامنة لتتفتح و تزدهر لاحقاً. فتبلورت من خلالها و تحورت شخصيته بشكل إيجابي في خواتيم الخمسينيات. التي شكلتها أجواء قسم العمارة بجامعة الخرطوم بعد التحاقه به. في تجربة مازجت كجزء من أسس منهج تعليمها بين علوم الهندسة و براحات الفنون. فأكتشف الفتى الألمعي هناك أسرار عالم العمارة المدهش فدخله من أوسع أبوابه متقدماً الصفوف. محمولاً على أجنحة مواهبه المتدفقة و إحساسه الفني العالي مع نزعة ابتكارية متميزة هي التي صنعت منه لاحقاً نجماً ساطعاً.
منعطف مهم في حياة محمد حمدي خلال تلك المرحلة الباكرة كان له أثر بالغ لاحقا على حياته و شخصيته و توجهه المعماري لفترة من الزمان. جاء في إطار تطورات مذهبية سياسية عارمة عميقة الأثر شهدتها بلادنا خلال حقبة خواتيم الخمسينيات. كان لشريحة الشباب فيها دور متقدم مؤثر إذ كانوا هم عمادها. شكلت في النهاية تيارين مؤثرين ازدادت أهميتهما مع تقادم الزمن. كانا على طرفي نقيض بحيث مثلا خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيان. تطورا سريعا في حقبة خواتيم الخمسينيات و مطلع الستينيات. ليتبلورا في توجهين مذهبيين أنتجا حزبيين سياسيين هما حزب الأخوان المسلمين و الحزب الشيوعي. لأسباب متعددة توجه محمد حمدي بكلياته نحو الكيان الأول. أفتتن به و جذبه إليه بشكل خاص جوهر فكرته. التي قامت على أحياء ذلك النموذج المثالي الإسلامي الأول برؤية حديثة تستوعب كافة مستجدات العصر. اجتذبته فيها على وجه الخصوص تحديات استلهام تلك الرؤى المثالية الطموحة و تطبيقها على أرض الواقع في مجال العمارة. التي جعلها لاحقاً واحداً من أهم أهدافه التي حاول بقدر المستطاع تحقيقها عبر أهم أعماله المعمارية. طريق و هدف نبيل انكب فيه في عملية بحث دؤوب مستمر استثمر فيها نزعته الابتكارية العالية و روحه الوثابة. التي سنستعرض هنا بعض نتائج مخرجاتها الرائعة.
تخرج محمد حمدي من قسم العمارة في منتصف الستينيات ضمن صفوة محدودة العدد من الخريجين النجباء. تم تعميدهم تلقائياً ضمن كتائب حملة لواء عمارة الحداثة. التي تربت و رضعت من ثدي نهج مرتهن تماماً للفلسفة العلمانية. أنخرط في ذلك المسار في بداية مسيرته المعمارية انجز فيها أعمالاً بالغة التميز في سياق ذلك الدرب. خلال مرحلة كانت تتنازعه فيها أهواء أخرى شده جزءً منها لمنابع تراثية إسلامية. مرحلة لم تنشأ من فراغ إذ كان خلال مرحلة دراسته للعمارة منكب بكلياته بعمق على دراسة تراث الفنون و العمارة الإسلامية. في حالة كان يمكن أن يستسلم لها فيجرفه تيارها لعوالم النقل الحرفي. أنقذته من هذا الحالة نزعة تمرد هي جزء أصيل من شخصيته مقترنة بدوافع ابتكارية عارمة. حصنته و أنجته من فخ كبير كان يمكن أن يبتلعه تماماً ليجعله يسير في ذلك الدرب الذي يقتال روح الإبداع. فخرج من تلك المعركة ظافراً غانماً. تشرب بروح ذلك التراث فمضي محلقاً بأجنحته المرفرفة ليصنع واقعا معمارياً هجيناً. يعبر عن قيم تراثية يقدمها في إهاب حداثي مستثمراً في أخر مستجدات العصر.
شهد النصف الثاني من الستينيات انطلاقة بداية مسيرة محمد حمدي المعمارية. كانت محطته الأولى في وحدة المباني التابعة لكلية الهندسة بجامعة الخرطوم التي كانت مكلفة حقبتئذٍ بتصميم مباني الجامعة. خلال مرحلة ارتبطت فيها بما يشبه الجبل سرى بقسم العمارة إذ صارت واحدة من أهم منصات انطلاق خرجيه المتميزين. عزز عمله فيها من التزامه الصارم بنهج الحداثة الذي تربى عليه خلال فترة دراسته بالقسم فأنتج أعمالاً بالغة التميز في هذا السياق. لكنه لاحقاً خلال نفس تلك الفترة نجح نوعاً ما في الإفلات من هذه المصيدة. حرر نفسه منها جزئياً بالانخراط في أعماله الخاصة. عبر مكتب صغير أسسه مع واحد من أقرب زملائه و أصدقائه إلى نفسه كان بينهما توافق في الآراء و التوجهات. شكلت تلك المرحلة المفصلية قصيرة الأمد بالغة التأثير نقطة انطلاق مهمة في مسيرته و توجهاته المعمارية. عليه يجب التوقف عندها لإلقاء نظرة فاحصة على ملامحها و مخرجاتها المهمة.
لفتت نظري هذه المرحلة المهمة في مسيرته ظاهرة مشابه شكلت محطة متميزة مر بها أستاذنا عبد المنعم مصطفى في بداية حياته العملية. تشابه لافت للنظر بالرغم من الاختلاف البائن في نهج هذين الأستاذين. الذي جعل مسيرتيهما تسيران في خطين متوازيين جعلت من المستحيل التقائهما معاً. أشرت من قبل في أكثر من مقالة لظاهرة محددة تميزت بها المرحلة الأولى في بداية مسيرة أستاذنا عبد المنعم جديرة بالاهتمام. لَفتُ النظر لأنه طبق أفكاره المعمارية حداثية النهج في تلك المرحلة في بداية الستينيات على زمرة من أقرب أصدقائه. المتوافقين معه فكريا و في جوانب كثيرة من نمط حياتهم جعلتني أشير إليهم بالإنتليقنزيا أو الصفوة. في حالة تعامل معهم فيها مع كامل احترامي لمقاماتهم السامية دائماً كأنهم فئران المعامل. مطبقاً فيهم أفكاره المعمارية الحديثة في تصميم بيوتهم التي صادفت هوى في نفوسهم. ثم لاقت لاحقاً قبولاً منقطع النظير من شرائح مجتمعية متعددة خارج ذلك الإطار. في تجربة ساهمت كثيراً في نشر أفكار و نمط عمارة الحداثة على نطاق واسع. لاحظت ظاهرة شبيه اتسمت بها مسيرة أستاذنا حمدي في بداياتها بالرغم من بعض تباين واضح بينهما. جرت أحداثها خلال نفس حقبة الستينيات لكن هذه المرة في خواتيمها. فنلقى عليها نظرة فاحصة عليها نسبة لأهميتها الفائقة.
كما أشرت من قبل نجح محمد حمدي في فتح مسارات عمل أخرى خلال فترة عمله بوحدة المباني بكلية الهندسة في بداية مسيرته المهنية. سمحت له في نهاية الستينيات من خلال مكتب صغير خاص به بالتخلص جزئياً من إسار نهج الحداثة و قبضته المحكمة. استثمر خلالها في علاقات ربطته بزمرة من أصدقائه و معارفه الأقربين من الشباب. جمعته بهم صلات حميمة و صداقة في إطار حركة الأخوان المسلمين الناشئة حقبتئذٍ. جَلهم كان من شريحة المهنيين المتميزين في مجالاتهم و بعضهم رجال أعمال كانوا يشقون طريقهم بنجاح. أتاحت له تلك العلاقات فرصة ذهبية جعلته المعماري الأوحد لزمرة أصدقاءه المتوافقين معه في العديد من مرئياتهم. سمحت له بطرح العديد من أفكاره الجديدة في عمارة مبانيهم و بيوتهم التي جاءت في إطار حداثي مبتكر.
اتسم مدخله خلال تلك الأعمال بنهجه الجديد في البداية بالحذر. فأنتج أنماطاً لم تخرج كثيراً من سياق عمارة الحداثة. التي وظف الحجر الطبيعي في عدد مقدر منها. تعامله الحذر ظهر في البدء في عناصر ثانوية مثل تصاميم شبك التأمين أو (القريلات). التي استلهم فيها بتصرف تراث العمارة الإسلامية بشكل ذكي بديع. خطوة تحرك بعدها بجرأة ليضع بصمته البائنة في بوابات مبتكرة التصميم. مهدت تلك الخطوات و منحته ثقة جعلته يتعامل بدرجة جيدة و جرأة مع الواجهات و كتلة المبنى ككل. في ذلك الإطار وضع بصمته أيضاً على الخارطة محدثاً فيها نقلة مقدرة. فتحت له تلك الخطوات الباب له ليضع لمساته على العمارة الداخلية بشكل متوافق مع فكرة المبنى. التي كان دئماً تستجيب لتتفاعل بروح ابتكارية عالية مع خصوصية كل حالة من عملائه أصحاب المباني و البيوت. تلك المعالجات مجتمعة أضفت على أعماله حيوية خففت من جمود محيا عمارة الحداثة الباردة فحلقت بها في فضاءات بعيدة. قدمها في عدة نماذج نذكر منها حالة بيت الوجيه توفيق عثمان صالح المطل على شارع النص بحي ودنوباوي بأمدرمان. بالإضافة لفيلا مولانا دفع الله الحاج يوسف بشارع الدومة في نفس الحي. تجلت أيضاً في حي الرياض في الخرطوم في دارة الوجيه المرحوم عبد القادر حسن جعفر.
هذه الخطوات الموفقة منحت محمد حمدي خلال فترة مطلع السبعينيات ثقة عالية بنفسه. الأهم من ذلك أنها قدمته بشكل جيد بشتى الطرق لجهات مهمة في البلد. ظهرت حقبتئذٍ بشكل فعال في مجال التنمية و النشاط الاقتصادي. في هذا الإطار استثمر جيداً في انتمائه للحركة الإسلامية التي بدأت تظهر لاحقاً كقوة اقتصادية مؤثرة عبر العديد من مؤسساتها. هذه العوامل مجتمعة بالإضافة لعلاقاته الخاصة المتشعبة أمطرته بعدد من المشاريع المتنوعة. مما دعاه في خواتيم السبعينيات للتفرغ تماماً للعمل الاستشاري. الذي سعى سعياً حثيثاً عبره للتأسيس لأسلوبه الخاص المتميز كعامل مؤثر لاجتذاب المزيد من العملاء أو الزبائن. التواقين لإبداعاته المعمارية المترعة بمظاهر (البريستيج) أو الأبهة التي تعنى لهم الكثير.
ظهر محمد حمدي و سطع نجمه في خواتيم السبعينيات. في مرحلة مفصلية كان الناس يستشعرون فيها إلى حد ما إفلاس و خواء عمارة الحداثة. ظهر في مرحلة بداء فيها فكره التقدمي المشبع بروأه و طاقاته الإبداعية المترفة يتفجر. لدرجة أنه لم يتردد في وضع بصمته بجرأة يحسد عليها في حصن عمارة الحداثة الحصين في أرجاء مجمع الوسط بجامعة الخرطوم. ففجر مفاجأة داويه في مشروع مبنى مسجد الجامعة الرابض على الطرف الشرقي من شارع الجامعة. بعمارة مدببة الكتلة معدنية براقة مكسوة بالزجاج المرايا. متحدياً واقع عمارة ملتزمة بصرامة بأسس عمارة الحداثة الموشحة بطوب السدابة. كان محمد حمدي قد قام بتصميم مسجد صغير تم تشييده بضاحية الصافية في الخرطوم بحري قبل أن يبدا في مشروع مسجد الجامعة. ارتقى بعمارته إلى أعلى درجات الإبداع مستلهماً تراث العمارة الإسلامية ليقدمه في صورة متجددة بالغة التعبير. أكثر ما استرعى انتباهي فيه مبنى المئذنة متوسطة الحجم تحديداً التاج المعدني الصغير الذي يكللها. سأعود لاحقا لاستعراض هذا العمل المعماري المتفرد بشي من التفصيل. قام محمد حمدي بذلك الإنجاز قبل أن يبدا العمل في مشروع مسجد الجامعة. في حالة شبيه بعملية التسخين التي يقوم بها لاعب كرة القدم و هو مقدم على مباراة بالغة الأهمية.
يَظلم الأستاذ محمد حمدي من يعتبر أن إبداعه و نزعته نحو التجديد اقتصرت فقط على أعماله ذات الطابع الإسلامي تحديداً عمارة المساجد. الرد عليهم يجب أن يكون من خلال الإشارة لإنجازات خارج هذا الإطار. تحديداً المباني الإدارية و المكتبية التي وجد فيها فرصاً عديدة و مساحات مقدرة مكنته من تقديم عطاء وفير. أعتقد حسب تقويمي له أنه نجح في عدد محدود منها في تقديم أعمال متميزة يجب الإشارة إليها. على سبيل المثال مبنى رئاسة بنك التضامن الإسلامي المطل على شارع البلدية في قلب مركز الخرطوم التجاري الإداري. الذي جاءت معالجات واجهاته قمة في الإبداع. غازلت تراث العمارة الإسلامية من طرف خفي بلمسات بديعة زخرفية الطابع. تحمل ملامح من أسلوب أستاذنا الراحل العزيز البروفيسور أحمد محمد شبرين. تحديداً تلك التي جاءت في إطار واحدة مراحل مسيرته المظفرة اتسمت بأسلوب عرف بالحروفية. من المحزن أن كل هذا الإبداع اختفى من الوجود نتيجة عمل يستحق المسألة و المحاسبة. إذا كنا فعلاً معنيون بالحفاظ على تراثنا المعماري الحديث. قامت به جهة من البنك اٍستبدلت معالجة الواجهات المتفردة بأخرى أقل من عادية في مستواها قوامها الألواح المعدنية. تمت في إطار وباء اجتاح العمارة في الفترة الأخيرة كان تأثيره أشد قسوة عليها من الكورونا.
قدم محمد حمدي خلال في مطلع التسعينيات عمل جدير بالاهتمام و الانتباه في مجال المباني الإدارية المكتبية المهمة. خاص بجهة لها موقع متقدم جداً في مجال التنمية و الصناعة في بلادنا هي شركة سكر كنانة. صمم مبنى رئاستها في موقع بالغ التميز مترامي الأطراف. في الجانب الشمالي الغربي من حي الطائف بالخرطوم مطل على شارع عبيد ختم الرئيس. اخترته لأكثر من سبب وجيه للغاية لأن الأستاذ هنا قدم نفسه كقامة معمارية متفردة في إبداعها من بين أقرانه و أبناء جيله. واحد من أهم أسباب إعجابي به تمكنه من تجاوز مظاهر التغليف المعدني السلبية. الذي صار شائع الاستخدام و واقعاً فرضته علينا ظروف محددة. مصدر إعجابي به نابع من تعامله الأريب مع تلك الألواح التي جعلها أكثر مقبولية لا بل صنع منها عنصر تميز نادر جدير بهذه المؤسسة الشامخة. استخدمه في واجهة المبنى و بعض أجزائه الداخلية بعد معالجته بطريقة جعلته أية في التفرد. إذ تمت طباعة الألواح بطريقة متقدمة فريدة. شكلت بتراصها بجوار بعضها البعض لوحة تجريدية المنحى لمنظر حقل من حقول قصب السكر. فمنح العمارة بصمة بائنة لا مثيل له من خلال لوحة جدارية معدنية مبتكرة تمددت بسخاء في واجهة المبنى. موظفاً بعضاً منها تنسرب داخله لترسم لوحة شبيه أصغر حجماً. تحتل موقعاً في بهو الدخول الرحيب الشاهق بديع التصميم. من المحزن حقاً أن كل ذلك الإبداع والعمل الكبير في واجهات المبنى قد تمت إزالته تماماً قبل عدة عقود من الزمان.
المؤسف أن هذا العمل الفني الرائع أزيل بدون مبررات مقنعة ليحل محله في البدء تجليد بألواح الرخام. لينتهي أمره أخيراً بالعودة مرة أخرى لخيار ألواح المعدن التي جاءت هذه المرة من ناحية معمارية بلا طعم أو رائحة. بشكل لا يليق بمثل هذه المؤسسة الصناعية العملاقة. شكلت هذه التجربة بكل تفاصيلها دراما مؤثرة للغاية تحتاج لتسليط الضوء عليها للاستفادة من دروسها. منذ خطواتها الأولى التي أنتجت ذلك العمل الفريد الرائع انتهاءً بتلك المالات المحزنة. رصدتها فتتبعتها خطوة بخطوة و أوليتها اهتماماً خاصاً لأكثر من سبب وجيه. أولاً لأنها تكشف جوانب مهمة نادرة من شخصية أستاذنا محمد حمدي. ثانياً لأنها تسلط الضوء على أبعاد ثقافية مجتمعية مؤثرة على مجال الأعمال الإبداعية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها. فلنمعن النظر في كل واحد من هذين الجانبين المهمين.
بداء محمد حمدي مسيرته المعمارية ملتزماً بخط عمارة الحداثة بعد فترة غسيل مخ مركزة من خلال دراسته للعمارة بقسمها بكلية الهندسة. التي كانت من أهم أساسياتها عدم التعاطي من الزُخرف بمفهومه التقليدي المعروف أي كان مصدره. مما جرد عمارتها من أهم الأسلحة المضاءة. التي تم استبدالها بمشروع جمالي متكامل سعى لخلق عمارة مفرطة في البساطة في كافة جوانبها. من أساسياتها فيما يلي الأشكال الالتزام الصارم بالخطوط المستقيمة و الزوايا القائمة قيود تُنتج بالضرورة عمارة صندوقية. في هذا الإطار كانت هناك أيضاً قيود على المنظومة اللونية التي طغى عليها اللونين الأبيض و الرمادي. بدليل أنه عندما انتشرت ظاهرة تغطية المباني بالألواح المعدنية استعصم ذلك التوجه بالنوع الفضي منها. عاش محمد حمدي في عقود مسيرته المعمارية الأولى مكبلاً بتلك القيود. لكن الواضح أن جيناته الفنية المحتدمة و نزعته الابتكارية الوثابة ضاقت بها زرعاً فبداء بالتحرر منها. يظهر ذلك جلياً في خطوات جريئة تشهد عليها جوانب من مبنى رئاسة شركة كنانة. منها تلك اللوحة الجدارية المتمددة في واجهته الرئيسة. التي نجح في التعامل معها في تجاوز حدود حصار النهج المتحفظ و قيود الالتزام باللون الفضي. ليحلق في فضاءات تشكيلية و لونية رحبة.
قد يتهم البعض أستاذنا محمد حمدي أستنادنا على بعض أعماله مثل مبنى رئاسة شركة كنانة بأن يؤلى اهتمامه الأكبر للواجهات. مما ينتج في النهاية إلى حد ما عمارة سطحية التوجه. جوانب مهمة من تصميم نفس ذلك المبنى ترد عليهم بقوة في محاولة لتبرئه ساحته. من أهمها صالة الدخول الرئيسة الرحبة شاهقة الارتفاع الذي يتسامى لعدة طوابق متيحاً إطلالة رائعة منها. عمل معماري مدهش تصطرع في ساحته الداخلية الرحبة منافسة حامية الوطيس. بين إبداعات التصميم الداخلي و إشراقات فنون البستنة. في ساحة داخلية تتوجها أخر مخرجات تقنيات العروش. تتـألق أيضاً في جانب منها لوحة جدارية صغيرة شبيه بتلك التي تتمدد على واجهة المبنى الرئيسة. المدهش هنا أن العمارة الداخلية تسطع بين قوسين لعالمين نحسب أنهما متباعدين متناقضين. فعلى أرضية صالة الدخول تتمدد أشكال رصف مستوحاة من تراث الزخارف الإسلامية. فيما تتوج عرشها قبة تمتثل الأنابيب المعدنية التي تحملها لحسابات أخر نظم إنشاءات العروش الحديثة. يمثل بهو الدخول الرحب هنا جزئية معمارية لم أري لها نظير من قبل. تعاملت مع المبنى بأعلى درجات المسئولية فأوفته كافة حقوقه. باعتباره مبنى رئاسة مؤسسة عملاقة كانت و ما زالت تمثل قمة سنام بلادنا في مجال الصناعة و التنمية. نرفع القبة هنا لأستاذنا محمد حمدي ننحني له احتراماً و هو يضع بصمة مهمة في مسيرة عمارتنا في زمان بدأت تنحسر فيه و تفقد أسهمها.
كانت و احسب أنها ستظل الأعمال المعمارية ذات الطابع الإسلامي مثل المساجد محور اهتمام و عشق أستاذنا محمد حمدي الأثير المستمر. تَوجه له العديد من المبررات ذات صلة بانتماءات مذهبية فكرية عاشها خلال مراحل مبكرة من حياته أشرت إليها من قبل بشي من التفصيل. لي اهتمام خاص بهذا الجانب من مسيرته و عطائه المعماري لأنه يعكس لي بجلاء جوانب مهمة من شخصيته المعمارية. تحديداً طاقته الإبداعية الابتكارية الهائلة و جرأته المتميزة. التي تأسست على علم معماري راسخ تدعمه مواهب فنية أصيلة دفينة. وضعته و هو يتنكب هذا الدرب في اختبارات معمارية محفوفة بالتحديات. سار فيها بجسارة محسوبة العواقب بفطنة عالية على حقل ألغام قوامه إرث فني و معماري بازخ. فمضي فيه موفقاً في مجال عمارة المساجد في مسيرة فاقت حتى الأن النصف قرن من الزمان. قدم فيها العديد من الإعمال الصغيرة و الكبيرة بالغة التميز. أبدع فأصاب و أخطأ أحينا شأنه في ذلك شأن بقية البشر.
أني بحق مفتتن جداً ببعض أعماله المتفردة في سياق تلك المنظومة من عطائه المعماري. التي أصنفها في إطار ما يعرف بالعمارة الإسلامية التجديدية التي تناي بنفسها عن النقل الحرفي من تراثها الضخم الفخم. لتحلق في فضاءات الإبداع مرتكزة على فيض معانيها السامية الرفيعة. رصدت أميز أعماله في هذا السياق بسيل متدفق لم ينقطع من الجهود التوثيقية. من خلال عدة منابر و أكثر من وسيط من وسائط الاتصال الجماهيري. عبر ما يعرف باللغة الإنجليزية بالماس ميديا mass media. بتركيز على مجالي الصحافة و التلفزيون. نشرت عدد منها في أوسع الصحف انتشاراً تجدون نماذج منها في موقعي الإلكتروني في إطار مساهمات صحفية. سأحاول اطلاعكم على بعض منها مرة أخرى مع هذه المقالة. توجت مساهماتي التلفزيونية بفيلم وثائقي أعتز به كثيراً من إعدادي و تقديمي عن مسجد القصر الجمهوري عشقي الأثير. بثته قناة النيل الأزرق عالية المشاهدة في شهر رمضان عام 1914. اعتزازي به و لتعميم الفائدة ضمنته في مواد موقعي الإلكتروني في الجزء الخاص بالمساهمات التلفزيونية. يمكن الوصول إليه عبر الرابط-drhashimk.com. تعميما للفائدة أيضاً رأيت أن أتيح لكم مشاهدة الحلقة مع هذه المقالة في الجزء الخاص بي في الفيسبوك.
أولىِ اٍهتماماً خاصاً لأعمال محمد حمدي و مسيرته في عمارة المساجد لأنه واجه فيها تحدياً مزدوج الجوانب. خاض فيها معركتين الأولى تمثلت في مقاومته لإغراء النقل الحرفي من تراث ثري يكاد يكون بلا ضفاف. وقع في فخه من قبل أجيال من المعماريين لم يستطيعوا التحرر من تأثيره المهيمن و قبضته الحديدية. معركته الثانية التي كسبها بنجاح تجسدت في تحرره من إسار فكر و نهج عمارة الحداثة الذي فرض على المعماريين قيوداً صارمة. خاض تلك المعركتين متسلحاً بروحه المتمردة و طاقته الإبداعية المصادمة. التي ساعدته في التعامل مع ذلك التحدي مزدوج الجوانب. متسلحاً في الحالة الأولى بفكر حركة الإخوان المسلمين. التي ارتكزت بداياتها على فكر تقدمي منفتح على مستجدات العصر. من جانب أخر الواضح إنه استثمر في مكونات متعددة دفينة في جيناته للتحرر من قيود فكر و فلسفة حركة الحداثة. مطلقاً العنان لطاقاته الفنية الكامنة لتحرك أفكاره تطرحها بحرية في رؤى تجسدت في منظومات معمارية مدهشة. وضعت الأساس لعمارة إسلامية تجديدية سوداناوية الهوية تفاعلت مع مستجدات العصر و تحدثت بلغته بفصاحة بائنة.
تتبعت مسيرة أستاذنا محمد حمدي عبر هذا الدرب التي تطاول لأكثر من أربعة عقود من الزمان. رصدتها من خلال بضع تجارب شكلت محطات مهمة و منعطفات فارقة في هذه المسيرة. ألخصها في حالة ثلاثة مساجد توزعت في ثلاثة عقود من الزمان-السبعينيات و الثمانينيات و نهاية التسعينيات. تجلت مقدمة سيناريوهات معمارية مدهشة جرت أحداثها بالتتابع خلال تلك العقود. في البداية في السبعينيات سطعت عمارة مسجد حاجة النَية في ضاحية الصافية بالخرطوم بحري. تلتها بعد عقد من الزمان تجربة مسجد جامعة الخرطوم التي أشرت إليها من قبل. مسك ختام في تلك الحالات المتميزة تجلت عمارتها مفرطة التميز في مسجد القصر الجمهوري. الذي بدأت ملامحه تتبلور لتبرق في نهاية التسعينيات بعد عملية مخاض طويلة. أكثر ما أعجبني في تجربة هذه المساجد أن عمارة كل واحد منها تعاملت بحساسية عالية مع إطارها الحضري. احترمته بطريقة ذكية مقدمة له بعض فروض الولاء و الطاعة بدون أن تستسلم له تماما و ترتمي في أحضانه. إذ نجحت في صياغة واقع معماري جديد يحترم بعضاً من جوانب خصوصيته.
مسجد حاجة النية هو واحد من تلك الحالات الثلاثة احتل موقعاً في وسط ضاحية أو حي الصافية الراقي. الذي كان حقبتئذٍ و ما زال أصحاب بيوته و سكانه من الصفوة. جلهم من قيادات الخدمة المدنية و رجال أعمال بمستوى عالٍ و مقام رفيع. واقع مجتمعي انعكس على مستوى عمارة دورهم التي حملت سمات أناقة و بساطة عمارة الحداثة بألقها المعهود. استوعب حمدي تلك المعطيات فنظم في سياقها عمارة إسلامية خاطبت مستجدات العصر. عكست إرثها البازخ بروح ابتكارية عالية جريئة جاءت حداثية القسمات. عندما ذهب لاحقاً بعمارته للطرف الجنوبي الشرقي من مجمع الوسط بجامعة الخرطوم تعامل مع العمارة الإسلامية بنهج مختلف. تفاعل معها بحساسية و ذكاء فائق عندما وجد نفسه في حضن قلعة العلم. فحلقت عمارته في مسجدها بحس تجديدي عالي. جاءت محمولة على أكف أخر مخرجات هندسة إنشاءات المباني وأحدث مواد البناء. التي صاغها في إطار مشروع جمالي مبتكر متمرداً على الأطر الإسلامية الكلاسيكية الجامدة. انتقل حمدي بعد أكثر من عقد من الزمان من ذلك الموقع متوجهاً بشارع الجامعة باتجاه الغرب. ليحط رحله في الركن الجنوبي الغربي من مجمع القصر الجمهوري. حيث فجر في مشروع مسجده مفاجأة معمارية مدوية. تعامل فيها مع هذه الحالة بقدر عالٍ من الاحترام لأجوائها الكلاسيكية. التي أستوعب روحها لكنه طوع العمارة لتتكلم بلغة العصر موظفاً أخر مستجداته العلمية و إشراقاته الفنية. استعرضت هذه الأعمال الثلاثة في طرح صحفي سأطلعكم على نماذج منه مع هذه المقالة.
أعتقد أنى تتبعت عدد مقدر من أعمال أستاذنا خلال عدة فترات و مراحل من مسيرته الطويلة. قربى منه منحنى فرصة جيدة للتعرف عليها بشكل جيد في عملية عزز منها تواصلي المستمر معه. طبيعة الصداقة و الود الوفير بيننا ساعدتني كثيراً في التعرف بعمق على الكثير من جوانب تلك الأعمال. التي عززتها حواراتنا المتصلة في كل الأوقات و المراحل. تكليفي من قبله في عدة مرات بتوثيق أعماله بالتصوير الفوتوغرافي أتاح لي نظرة معمقة تعرفت من خلالها على كل مفاصلها و كافة تفاصيلها. الأهم من كل ذلك أنها وفرت لي صوراً نادرة لبعض الأعمال المهمة التي تبدلت معالمها و ملامحها المتميزة. مثل حالتي واجهات مبنى رئاسة بنك التضامن الإسلامي و شركة كنانة التين استعرضتها في هذه المقالة. يجب أن أشير أن كل ما قمت به من عمل في إطار استعراضي لأعماله و تقويمها حسب رويتي هو جهد شخصي لم أتلق عليه أجراً. فعلت ذلك من واقع مسئوليتي كموثق و مؤرخ للعمارة السودانية مختص في هذا المجال. التي يرتكز العمل فيه بشكل أساسي على التجرد و النزاهة و الأمانة العلمية. كما يجب أن أشير أنه منذ فترة طويلة ما عادت تربطني به أي علاقات عمل إلا حبال الود و الاحترام التي ومازالت متصلة. تماماً كما هو حالي مع عدد من رموز عمارتنا المؤثرين في إطار عملي التوثيقي.
نفس الأمانة العلمية تتطلب منى النظر أيضاَ في بعض الجوانب التي لم يقدم فيها أستاذنا محمد حمدي ما كان مرجواً منه فيها. أقول قولي هذا واضعاً في الاعتبار مبررات قوية تدفعني لكي أحاسبه هنا بصرامة كناقد و مؤرخ محترف. مع كامل احترامي و تقديري له كواحد من أساتذتي السابقين. الصرامة المطلوبة هنا نابعة من ظروف بعينها أحاطت بأعماله الأخيرة. إذ أتيحت له فرصاً وفيرة خلال العقود الماضية لم تتوفر لأقرانه و أنداده من كبار المعماريين و الذين يديرون مثله المكاتب المعمارية الاستشارية. على سبيل المثال توفرت له خلال تلك الفترة فرصة تصميم عدد مقدر من مباني رئاسة البنوك الرئيسة. سوانح مثالية يتمناها كل استشاري معماري وفرت له جل المقومات المطلوبة لإنجاز عمل ممتاز. مثل رسوم التصميم السخية و الميزانيات المفتوحة لتشييد المبنى بكافة تفاصيله. أضع في الاعتبار تلك المقومات المتاحة و أقارنها بالمحصلة المعمارية. التي يجب أن نقومها بالمعايير الصارمة التي تتعامل مع أستاذ كبير أنجز الكثير قبل عدة عقود من الزمان. أعيد النظر إليها في خاطري ما قدمه من أعمال بالغة التميز. في مبنى مثل رئاسة شركة كنانة بالإضافة لتلك المساجد متفردة التصميم التي أشرت إليها من قبل. بصراحة لا أري في أعماله الأخيرة كثيراً مما كنت أتمناه من الاختراقات المؤثرة. التي عودنا عليها قبل عقود من زمان أشرت للعديد من منها في هذه المقالة.
أسأل نفسي و أتسأل، هل يمكن أن نسامح أستاذنا على تقصيره في رفدنا بمزيد من الروائع. التي كانت تشكل محطات مهمة في مسيرة عمارتنا. لنغفر له بناءً على تلك الإنجازات في عصره الذهبي. لا أتفق مع هذا الراي لأكثر من سبب. فبناءً على حواراتي المتصلة معه أعرف أن دواخله تتوفر على الكثير من الأفكار الجديدة و المرئيات الواعدة. التي يمكن إذا أنزلت إلى أرض الواقع أن تحدث واقعاً مؤثراً. كما أنى أعلم أن في جعبته العديد من المشاريع الكبيرة المهمة. التي يمكن إذا تعامل معها بروح جديدة كما كان يفعل من قبل أن تفرش طريق مسيرته مرة أخرى بالورود و الرياحين. سيشكل تجسيدها على أرض الواقع فارقاً كبيراً و خطوة مهمة فارقة في مسيرة عمارتنا.
قد يعتقد بعضكم أن المواضيع و القضايا التي أثرتها هنا ليست بالدرجة من الأهمية التي تستحق أن تُفرد لها مقالة كاملة. لأنها كما يبدو من أول وهلة بدون تعمق كافٍ بالنسبة لهم معنية بجوانب ثانوية هامشية. مثل البعد التشكيلي و الجمالي للعمارة و التركيز في أطارها على عمارة المساجد. مثل هذه المرئيات التي صارت شائعة بيننا و عند قطاع عريض من المعماريين هي نتاج واقع نعيشه منذ فترة طويلة. أوصلنا إليه و رسخته في نفوسنا مفاهيم عمارة الحداثة الذي نشأت و ترعرعت في حضن فلسفة علمانية التوجه. واحدة من أخطر إفرازاتها السلبية نهج تعاملها مع أمر أو قضية الهوية. لأنه تأسس على مفهوم جديد خطير يلغى كافة الهويات المحلية مهما كان نوعها أو أهميتها. مقدماً كبديل نموذجاً واحداً لكل أجزاء العالم يشار إليه بالعمارة العالمية باللغة الإنجليزية International Style. اعتبروه الطراز الأوحد على نطاق العالم صالح لكل مكان و زمان. بحيث يَجبُ كل ما كان قبله و سياتي بعده أيً كان شأنه.
خطورة هذا الأمر و أهمية القصوى تكمن في الطريقة التي يتم التعامل فيها مع أمر بالغ الحساسية معنى بالهوية المعمارية. تتعاظم أهميته عندما ننظر على وجه التحديد للشأن السوداني. فنحن بلد أهم ما يميزه ة تنوعه الثقافي المحلى المذهل الذي لا أعتقد أن هناك حالة تشابهه. من الخطورة و المزعج حقاً أن نتعامل مع عمارته بهذه النظرة إحادية التوجه. من المؤكد أنه هذه المشكلة ستتعاظم حدتها بشكل مزعج إذا كانت هذه الهوية ستستورد من العالم الغربي كما هو الحال مع ذلك الطراز العالمي. كلكم يعلم أن واحداً من أهم مشاكلنا المتوارثة عبر عقود من الزمان كانت ناتجة عن محاولة فرض هوية سودانية واحدة. نحاول الأن مجتهدين تجاوزها عبر الحوار البناء. نحن نحتاج أيضاً بصورة عاجلة لنقل هذه المعركة لساحة العمارة. لنراجع موقفنا منها بشكل جزري عام عبر رؤية إنسانية معمقة. مع عدم تجاهلنا لكافة جوانبها، فنتكن البداية و الأسبقية للسكنية منها باعتبارها الأكثر تأثيراً على حياة الناس بشكل مباشر. هذا هو بالتحديد مجال تخصصي الذي نزرت له عمري ظللت أعمل لتحقيقه بقوة و عزيمة متصلة. متحركاً في كل الاتجاهات من أهمهما منابر وسائط الاتصال الجماهيري بكافة أنواعها بما فيها صفحتي في الفيسبوك. هانزا من خلالها أوجه جل مؤشرات مقالتي هنا لهذا الهدف النبيل. فتعاملي و تركيزي على جوانب العمارة الفنية و التشكيلية يتم في إطار ملامستها لهويتها. من خلال رؤية تتبعُ نهجاً معمقاً لا يتعامل معها بشكل سطحي باعتبارها مجرد ديكور أو مكياج (ميكاب) خارجي.
وثائقيات عمارة السودان- مسجد القصر
مقالة فى صحيفة الرائد عنوانها- عمارة اسلامية فى صيغة حداثية
صحيفة السودانى عنوان المقالة – عمارة اسلامية سودانية تجديدية
البروفيسور مشارك دكتور معماري/ هاشم خليفة محجوب
أمدرمان- نوفمبر2020